قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ } قال سلمان الفارسي: المراد بالإنسان: آدم عليه السلام. وإنما قيل له سلالة؛ لأنه استُلَّ من جميع الأرض. وإلى هذا المعنى ذهب قتادة. وقيل: المراد بالإنسان: ولد آدم، وهو اسم جنس يقع على الجميع. فعلى هذا؛ " السلالة ": النطفة، سُميّت بذلك؛ لأنها استُلَّتْ من الطين، وهو آدم عليه السلام. والقولان عن ابن عباس. وقال عكرمة: " السلالة ": الماء يُسَلُّ من الظهر سَلاًّ. { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } يعني: جعلنا جوهر الإنسان نطفة بعد أن كان طيناً، { فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } وهو الرَّحم. والمَكِين: الحَرِيز. وما بعده مُفسّر في الحج إلى قوله: { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً } وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم: " عظماً " على التوحيد في الموضعين، على إرادة الجمع بلفظ الواحد لزوال اللبس، فإن الإنسان ذو عظام كثيرة، كما قال:
.........................
في حلْقِكُم عظمٌ وقد شَجِينا
يريد: في حُلُوقِكُم. قوله تعالى: { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } هو استواء الشباب. وقال الحسن: كونه ذكراً أو أنثى. وقيل: ما [أودع] فيه من العقل والفهم. { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } أي: المقدِّرين والمصوِّرين. وفي الحديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وعنده عمر، فلما بلغ قوله تعالى: { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } قال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ختمت بما تكلمت به يا ابن الخطاب " فإن قيل: هل من [خالق] غير الله حتى [قال]: { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }؟ قلتُ: قد سبق فيما مضى أن الخلق في اللغة: التقدير، ومنه:
ولأنْتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وَبَعْـ
ـضُ القوم يخلُقُ ثم لا يَفْرِي
فالمعنى: أحسن المقدرين والصانعين للأشياء. قوله تعالى: { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ } أي: بعد تمام الخلق { لَمَيِّتُونَ } عند انقضاء آجالكم. وقرأ أبو رزين العقيلي وعكرمة: " لمايتون ". قال الفراء: العرب تقول لمن لم يمت: إنك مائتٌ عن قليل وميّتٌ، ولا يقولون للميت الذي قد مات: هذا مائت، إنما يقال في الاستقبال فقط.