الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ }

قوله تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } سبق ذكر الصُّور في الأنعام.

واختلفت الرواية عن ابن عباس في هذه النفخة، هل هي الأولى التي هي نفخة الموت، أو نفخة البعث.

فإن قلنا: هي النفخة الأولى؛ فلا إشكال حينئذ في قوله: { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ }؛ لأن الموت حال بينهم وبين التساؤل.

وإن قلنا: هي النفخة الثانية؛ كان المعنى: فلا أنساب بينهم يومئذ يتفاخرون بها، على ما عليه عادة العرب، لا يتساءلون كما يتساءل العرب في الدنيا: من أي قبيل أنت، وابنُ من أنت، وولوعهم بذلك أظهر من أن يُشْهر.

ومن أعجب ما طرق سمعي لهم في ذلك، ما روي: أن رجلاً من بني سعد دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: ممن الرجل؟ فقال من الذين يقول لهم الشاعر:
إذا غَضِبَتْ عليكَ بنو تميم     حسبتَ الناسَ كُلَّهُمُ غِضَابَا
فقال: من أيّهم أنت؟ قال: من الذين يقول لهم القائل:
يزيدُ بنو سعدٍ على عَدَدِ الحَصَا    وأثقَلُ من وزْنِ الجبالِ حُلُومُها
فقال: فمن أيّها أنت؟ قال: من الذين يقول لهم الشاعر:
ثيابُ بني عوفٍ طَهَارَى نقيّة    وأوجُهُهُم عند المَشَاهِدِ غُرَّان
قال: من أيّهم أنت؟ قال: من الذين يقول فيهم الشاعر:
فلا وأبيكَ ما ظَلمتْ قُريعٌ     بأنْ يَبْنُوا المكارمَ حيثُ شَاؤُوا
قال: فمن أيّهم أنت؟ قال: من الذين يقول لهم الشاعر:
قومٌ هُمُ الأنفُ والأذنابُ غيرُهُم    ومن يُسوِّي بأنفِ الناقةِ الذَّنَبَا
فقال له عبد الملك: اجلس لا جلستَ، فوالله لقد خِفْتُ أن تفخر عَلَيَّ.

فعلى هذا المعنى: لا يتساءلون يوم القيامة؛ لأنهم في شغل عن ذلك. قال الله تعالى:لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 37].

وقيل: المعنى: فلا أنساب بينهم يومئذ يتعاطفون بها لتفرقهم في المثوبة والعقوبة، فإنه لا اعتداد في ذلك اليوم إلا بالأعمال الصالحة، كما قال عليه الصلاة والسلام: " كل سبب ونسب يوم القيامة منقطع إلا سببي ونسبي "

فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله:وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27]؟

قلتُ: يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، ففيه أزمنة مختلفة وأوقات متغايرة يتساءلون في وقت، ويشغلهم ما خامرهم من الأهوال والشدائد عن السؤال في وقت.

قرأت على قاضي القضاة أبي صالح نصر بن عبد الرزاق بن عبدالقادر الجيلي الحنبلي، أخبرتكم شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبَري فأقرّ به قالت: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي البرقاني قال: قرأتُ على أبي العباس بن حمدان، حدَّثَكم محمد بن إبراهيم بن [سعيد] البوشنجي، حدثنا أبو يعقوب يوسف بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسَة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ((جاء رجل فقال: يابا عباس، إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، وقد وقع ذلك في صدري، فقال ابن عباس: أتكذيب؟ فقال الرجل: ما هو بتكذيب ولكن اختلاف.

السابقالتالي
2 3