الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } قال المفسرون: صلُّوا؛ لأن الصلاة تشتمل على الركوع والسجود.

{ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } وحِّدُوه.

وقيل: اقصدوا بركوعكم وسجودكم وجهه سبحانه وتعالى.

{ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } أبواب البرِّ كلها؛ من صلة الأرحام ومكارم الأخلاق.

أمرهم سبحانه وتعالى بالصلاة على سبيل التعيين؛ لعظم خطرها، ثم عَقَّبَ ذلك بالأمر بغيرها من أفعال الخير على سبيل العموم.

{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي: افعلوا هذا وأنتم راجون الفلاح.

وقد قررنا هذا فيما مضى، وذكرنا أقوال العلماء في معنى " لعلَّ ".

فصل

لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في السجدة الأولى من هذه السورة، واختلفوا في الثانية؛ فذهب عمر وابنه وعمار وأبو الدرداء وابن عباس في آخرين: إلى أنها سجدة وقالوا: فُضِّلَت على سائر السور بسجدتين، وإليه ذهب إمامنا والشافعي.

واحتج القائلون بهذا بما روي عن عقبة بن عامر قال: " قلت: يا رسول الله! في الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما "

وذهب الحسن وسعيد بن المسيب وإبرهيم النخعي وأبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست بسجدة. وعلل بعضهم باقتران الركوع بها، فدل على أنها سجدة صلاة، لا سجدة تلاوة.

قوله تعالى: { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } وحمل أكثر المفسرين الجهاد هاهنا على جميع أفعال الطاعة، وقالوا: حق الجهاد: إخلاص العمل من شوائب الرياء.

وقال الضحاك: هو جهاد الكفار، وهو مُندرجٌ في القول الأول.

وقال ابن المبارك: هو جهاد النفس والهوى. ولعمري إنه أكبر الجهاد وأشَقُّه.

{ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ } اختاركم لدينه، { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي: من ضيق، بل وسّع عليكم وسهّل لكم السُّبُل التي ضيّقها على بني إسرائيل، على ما ذكرناه في سورة الأعراف. وهذا معنى قول ابن عباس.

وقال مقاتل: يعني: الرُّخَص عند الضرورة؛ كالقَصْر، والتيمم، وأكل الميتة، والإفطار في المرض والسفر.

وقيل: ما جعل عليكم في الدين من حرج بل فتح لكم باب التوبة.

{ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } قال الأخفش والفراء والمبرد والزجاج: المعنى: عليكم ملة أبيكم إبراهيم.

وقيل: النصب على الاختصاص، تقديره: أعني بالدين ملة أبيكم.

قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: إن قيل: هذا الخطاب للمسلمين وليس إبراهيم أباً لكلهم؟

فالجواب: أنه [إن] كان خطاباً عاماً للمسلمين، فهو كالأب لهم؛ لأن حرمته وحقه عليهم كحق الوالد. وإن كان خطاباً للعرب خاصة؛ فإبراهيم أبو العرب قاطبة. هذا قول المفسرين.

قال: والذي يقع لي: أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن إبراهيم أبوه، وأمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة فيما خوطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله تعالى: { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } قال ابن عباس: المعنى: الله سمّاكم المسلمين من قبل نزول القرآن في الكتب السالفة المتقدمة، { وَفِي هَـٰذَا } الكتاب.

السابقالتالي
2