قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } قال صاحب الكشاف: إن قلت: الذي جاء به ليس بمَثَل، فكيف سمّاه مَثَلاً؟ قلتُ: قد سُمّيت الصفة أو القصة الرائعة المتلقّاة بالاستحسان والاستغراب: مَثَلاً؛ تشبيهاً لها ببعض الأمثال المُسَيَّرة، لكونها مستحسنة مستغربة عندهم. { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ } وقرأ يعقوب: " يدعون " بالياء. ووجه القراءتين ظاهر. والمعنى: أن الأوثان الذين تدعونهم آلهة { مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } الذي هو أقلّ مخلوقات الله وأحقرها. قوله تعالى: { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } في محل الحال، كأنه قيل: مُحالٌ أن يخلقوا الذباب مشروطاً عليهم اجتماعهم لخلقه وتعاونهم عليه. ثم بالغ في وصفهم بالعجز فقال: { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً } أي: وإن يسلبهم الذباب الذي هو أحقر المخلوقات وأضعفها من الآلهة التي عبدوها شيئاً من الأشياء { لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } أي: لا يستخلصوه منه، فكيف اتخذوها آلهة. وهي النهاية في العجز المُنافي للإلهية. قال ابن عباس: كانوا يَطْلُون أصنامهم بالزعفران فيجفّ، فيأتي الذباب فيختلسه فلا [يقدرون أن يَستردُّوه] من الذباب ويستنقذوه منه. وقال السدي: كانوا يجعلون لآلهتهم طعاماً فيقع الذباب عليه فيأكل منه. { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } أي: ضعف الصنم والذباب، فهو على معنى التسوية بينهم في الضعف. وعند التحقيق تجد الصنم أضعف من الذباب؛ لأنه جماد، والذباب حيوان. وقال السدي: " الطالب ": عابد الصنم، " والمطلوب ": الصنم. { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي: ما عرفوه حق معرفته، ولا عظموه حق عظمته، حيث جعلوا ما هو أعجز من الذباب وأحقر شركاءه في الإلهية. { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } فكيف يعدلون به الضعيف الذليل.