الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } قال صاحب الكشاف: إن قلت: الذي جاء به ليس بمَثَل، فكيف سمّاه مَثَلاً؟

قلتُ: قد سُمّيت الصفة أو القصة الرائعة المتلقّاة بالاستحسان والاستغراب: مَثَلاً؛ تشبيهاً لها ببعض الأمثال المُسَيَّرة، لكونها مستحسنة مستغربة عندهم.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ } وقرأ يعقوب: " يدعون " بالياء. ووجه القراءتين ظاهر.

والمعنى: أن الأوثان الذين تدعونهم آلهة { مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } الذي هو أقلّ مخلوقات الله وأحقرها.

قوله تعالى: { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } في محل الحال، كأنه قيل: مُحالٌ أن يخلقوا الذباب مشروطاً عليهم اجتماعهم لخلقه وتعاونهم عليه.

ثم بالغ في وصفهم بالعجز فقال: { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً } أي: وإن يسلبهم الذباب الذي هو أحقر المخلوقات وأضعفها من الآلهة التي عبدوها شيئاً من الأشياء { لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } أي: لا يستخلصوه منه، فكيف اتخذوها آلهة. وهي النهاية في العجز المُنافي للإلهية.

قال ابن عباس: كانوا يَطْلُون أصنامهم بالزعفران فيجفّ، فيأتي الذباب فيختلسه فلا [يقدرون أن يَستردُّوه] من الذباب ويستنقذوه منه.

وقال السدي: كانوا يجعلون لآلهتهم طعاماً فيقع الذباب عليه فيأكل منه.

{ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } أي: ضعف الصنم والذباب، فهو على معنى التسوية بينهم في الضعف.

وعند التحقيق تجد الصنم أضعف من الذباب؛ لأنه جماد، والذباب حيوان.

وقال السدي: " الطالب ": عابد الصنم، " والمطلوب ": الصنم.

{ مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي: ما عرفوه حق معرفته، ولا عظموه حق عظمته، حيث جعلوا ما هو أعجز من الذباب وأحقر شركاءه في الإلهية.

{ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } فكيف يعدلون به الضعيف الذليل.