ثم ذكر فضل المهاجرين فقال: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }. قال المفسرون: يعني: من مكة إلى المدينة. ويندرج في عموم اللفظ كل من هاجر ابتغاء مرضاة الله من مكة وغيرها. { ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } وهو رزق الجنة. وفي قوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } تنبيه على عظمة ذلك الرزق وحُسْنه. { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } قد ذكرنا في سورة النساء اختلاف القرّاء في " مُدْخَلاً " ، وتعليل القراءتين. { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ } بنياتهم { حَلِيمٌ } حيث تجاوز عن سيئاتهم. قوله تعالى: { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي: جازى الظالم بمثل ما ظلمه به. قال الزجاج: الأول لم يكن عقوبة، وإنما العقوبة الجزاء، ولكنه سُمي عقوبة؛ لأن الفِعلَ الذي هو عقوبة كان جزاء، فسمي الأول الذي جوزي عليه عقوبة؛ لاستواء الفعلين في جنس المكروه، كما قال:{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40]. وقال علي بن الحسين النحوي: " مَنْ " بمعنى الذي، و " عاقب " صلته، وقوله: { لينصرنه الله } خبر المبتدأ، ولا يكون قوله: " مَنْ عَاقَبَ " شرطاً؛ لأنه لا لام فيه، كما في قوله:{ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأعراف: 18]. { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } قال الحسن: قاتل المشركين كما قاتلوه ثم بُغي عليه بإخراجه من منزله. فعلى هذا يكون التقدير: ثم كان قد بغي عليه. { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } يعني: المظلوم بنصره على الباغي عليه. وفي قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } تنبيه للمجني عليه وتلويح له، ليتصف بما اتصف الله تعالى به من العفو والمغفرة. وقال مقاتل: سبب نزول هذه الآية: أن مشركي مكة لقوا المسلمين لليلة بقيت من المحرّم، فقاتلوهم، فناشدهم المسلمون الله أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبوا إلا القتال، فثبت المسلمون ونصرهم الله تعالى، ونزلت هذه الآية. فالمعنى: إن الله لعفو عن المسلمين، غفور لهم قتالهم في الشهر الحرام.