الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ } قال الواحدي: الرسول: الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عياناً ومحاورته إياه شفاهاً، والنبي: الذي تكون نُبُوَّتُه إلهاماً أو مناماً.

وقال الزمخشري: الرسول من الأنبياء، من جمع [إلى] المعجزة الكتاب المنْزَل عليه. والنبي غير الرسول: من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أُمِرَ أن يدعو إلى شريعة من قبله.

قوله تعالى: { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } قال محمد بن كعب القرظي وغيره: تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يأتيه من الله شيء ينفر عنه قومه، لعله يتخذ ذلك سُلَّماً إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيّهم، فاستمر به ما تمناه، حتى نزلت عليه سورة النجم وهو في نادي قومه وذلك التمني في نفسه، فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله:وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 20] ألقى الشيطان في أمنيته التي تمناها على سبيل السهو والغلط فقال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى..

قال ابن عباس: قال ذلك الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إحساس بذلك.

وقال قتادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المقام، فنعس، فألقى الشيطان تلك الكلمات على لسانه وهو نائم، ففرح المشركون بذلك، وقالوا: قد ذكر آلهتنا بأحسن الذِّكْر، فأتاه جبريل فأخبره بما جرى على لسانه، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأنزل الله تعالى هذه الآية تطييباً لقلبه وإعلاماً له أن الأنبياء قد جرى لهم مثل هذا.

وقال ابن عباس وجمهور المفسرين: تمنّى [بمعنى] تلا، وأنشدوا:
تمنّى كتابَ الله أوّل ليلِهِ     تمنِّيَ داوُدَ الزبورَ على رِسْل
{ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } أي: يبطله ويذهبه.

{ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ } قال مقاتل: يحكمها من الباطل، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.

قوله تعالى: { لِّيَجْعَلَ } اللام متعلقة بقوله: { مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } في أمنية رسوله { فِتْنَةً } ابتلاء وامتحاناً { لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } شك ونفاق، { وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ }.

قال ابن عباس: يريد: المشركين، وهم الذين لا تلين قلوبهم لتوحيد الله. ثم حكم عليهم بالظلم فقال: { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } يريد: وإن هؤلاء المنافقين والمشركين، فوضع الظاهر موضع المُضْمَر.

وقوله: { لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } مفسّر في البقرة.

قوله تعالى: { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } أي: وليتيقن الذين أعطوا القرآن والتوحيد وكانوا على بصيرة من أمرهم { أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } أي: أن نسخ ذلك وإبطاله الحق { مِن رَّبِّكَ }.

وقيل: وليعلم الذين أوتوا العلم أن تمكن الشيطان من الإلقاء هو الحق من ربك والحكمة.

{ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي: تَذِلُّ وتخضع.

ثم بيّن سبحانه وتعالى أن الإيمان والإخبات إنما هو بلطفه وهدايته إياهم فقال: { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.