الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } * { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ }

قوله تعالى: { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ } وقد ذكرنا قصصهم فيما مضى.

والمقصود من هذه السياقة تعزية النبي صلى الله عليه وسلم.

قال صاحب الكشاف: إن قلت: لم قيل: " وكذب موسى " ولم يقل: وقوم موسى؟

قلتُ: لأن موسى ما كذّبه قومه بنوا إسرائيل، وإنما كذّبه القبط. وفيه شيء آخر؛ كأنه قيل بعدما ذُكر تكذيب كل قوم رسولهم: وكُذِّب موسى أيضاً مع وضوح آياته وعِظَمِ معجزاته، فما ظَنُّكَ بغيره.

{ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ } أخَّرتُ عقوبتهم وأمْهلتهم، { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أي: بالعذاب { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } استفهام في معنى التقرير، والنكير بمعنى الإنكار والتعيير.

والمعنى: كيف أنكرتُ عليهم ما فعلوا من التكذيب، أبدلتهم بالنعمة العذاب، وبالعمارة الخراب.

قوله تعالى: { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أهلكتُها } قرأ أبو عمرو: " أهلكْتُها " بالتاء على لفظ الواحد. وقرأ الباقون: " أَهْلَكْنَاهَا " بالنون على لفظ الجمع.

{ وَهِيَ ظَالِمَةٌ } في محال الحال. وَصَفَها بالظلم، والمراد: أهلها.

{ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } ساقطة على سقوفها. وقد ذكرنا تفسيره فيما مضى، وهذا هو الظاهر من التفسير.

ويجوز أن يكون " على عروشها " خبراً بعد خبر، كأنه قيل: هي خاوية، وهي على عروشها، أي: هي قائمة مُطِلَّةٌ على عروشها، على معنى: أن السقوف تهدمت وبقيت الحيطان قائمة مطلة على السقوف المتهدمة.

قوله تعالى: { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } معطوفان على " قرية " ، تقديره: فكم من قرية وبئر معطلة، أي: متروكة معطلة من الاستقاء والعمل، وقصر مُجَصَّص.

واختلف القُرّاء في تحقيق الهمزة وتخفيفه في " بئر " ، فخفَّفه الأكثرون.

قال أبو علي: كلاهما حسن، والتحقيق هو الأصل، والتخفيف دخيل عليه استثقالاً للهمزة، وتخفيف هذا النحو: أن تُقْلَبَ الهمزة فيه ياء بحسب الحركة التي قبلها، وكذلك " الذئب " وما أشبهه مما فيه همزة ساكنة قبلها كسر.

وقال الزجاج: أصل الشِّيد: الجصُّ والنُّورَة، وكل ما بُنيَ بهما أو بأحدهما فهو مَشِيد.

وقيل: مَشِيدٌ: مُحَصَّنٌ مُرتَفعٌ، من قولهم: شَادَ بناءه؛ إذا رفعه.

وقد ذكرنا هذا المعنى في سورة النساء، وفيه إضمار تقديره: وكم قصر مشيد أخليناه من ساكنه، فتُرك لدلالة معطلة عليه.

وقد قيل: إن هذه بئر نزل عليها صالح مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به، ونجاهم الله تعالى من العذاب، وهي بحضرموت. وإنما سُميت بذلك؛ لأن صالحاً حين حضرها مات، وثَمَّ بلدة عند البئر اسمها: حاضوراء، بناها قوم صالح، وأمّروا عليهم رجلاً منهم، وأقاموا بها دهراً وتناسلوا حتى نَمَوْا، ثم إنهم عَبَدُوا الأصنام وكفروا، فأرسل الله تعالى إليهم نبياً يقال له: حنظلة بن صفوان، فكفروا به وقتلوه في السوق، فأهلكهم الله تعالى، وعُطِّلت بئرهم وخربت قصورهم.