الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } البُدْن: جمع بَدَنَة، سُميت بذلك؛ لأنها تَبْدُنُ، أي: تَسْمَنُ، أو لعِظَمِ بدنها.

وقرأ الحسن: " والبدُن " بضم الدال، وهما لغتان، مثل: ثَمَرة وثُمُر.

قال جمهور المفسرين: البُدُن: الإبل والبقر.

والصحيح ما قاله صاحبنا القاضي أبو يعلى بن الفراء رحمة الله عليه: أن البدنة: اسم يختص الإبل في اللغة، والبقرة تقوم مقامها في الحكم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة.

والمعنى: جعلناها لكم من أعلام الدين وسُنَنِه المشروعة، فشرعنا لكم سَوْقَها إلى البيت وتقليدَها وإشعارَها ونحرَها والإطعام منها، وأضافها إلى اسمه تعظيماً لها.

{ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قال ابن عباس: دنيا وآخرة.

قال إبراهيم النخعي: إن احتاج إلى ظهرها ركب، أو إلى لبنها شرب.

{ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } هو قوله عند نحرها: الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، اللهم منك وإليك.

قرأ الأكثرون: " صَوَافَّ " ، وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن عمر ومحمد بن علي والأعمش وقتادة: " [صَوافِنَ] ". وقرأ أبيّ بن كعب وأبو موسى والحسن: " صَوافيَ ".

فمن قرأ " صَوَافَّ " أراد: قائمات مُصْطَفَّةَ الأيدي والأرْجُل.

ومن قرأ " صوافن " فهو من صُفُون الفرس، وهو أن يقوم على ثلاث وينصبُ الرابعة على طرف سُنْبُكِه، وهكذا السنة في نحر الإبل.

قال مجاهد: إذا عُقِلَتْ إحدى يديها وقامت على ثلاث تُنْحَرُ كذلك، ويُسَوَّى بين [أوْظِفَتِها] لئلا يتقدم بعضها على بعض.

ومن قرأ " صَوَافيَ " أراد: خوالص لله تعالى.

والنصب في القراءات الثلاث على الحال.

{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } سقطت إلى الأرض ميتة، { فَكُلُواْ مِنْهَا } أمر إباحة أو استحباب، وذلك فيما يشرع له الأكل منه، { وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ }.

قال ابن عباس وقتادة: القانع: المُتَعَفِّف، والمُعْتَرّ: السائل.

وقال ابن عباس في رواية أخرى: القانع: السائل، والمعترُّ: المتعرِّضُ.

قال ابن قتيبة: يقال: قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعاً؛ إذا سَأل، وقَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعةً؛ إذا رضي. ويقال في المعتر:

اعتَرَّني واعْتَرَاني وعَرَاني.

وقال الزجاج: مذهب أهل اللغة: أن القانع: السائل، يقال: قَنَعَ يقْنَعُ قُنُوعاً؛ إذا سأل. قال الشمَّاخ:
لمالُ المرء يُصلحُهُ فَيُغْنِي     مَفَاقِرَهُ أعَفُّ من القُنُوع
أي: من السؤال، ويقال: قَنِعَ قناعةً؛ إذا رضِيَ، فهو قَنِعٌ.

{ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } أي: مثل ما وصفنا لكم من نحرها صَوَافَّ، سخَّرْناها لكم، ذللناها لكم لتتمكنوا من نحرها على الوجه المشروع، ولولا تسخير الله تعالى لم يُقدر عليها، ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش الصغار الممتنعة، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } إحساني إليكم وإنعامي عليكم.