الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ }

قوله تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } قرأ حمزة والكسائي: " منسِكاً " بكسر السين في الموضعين، وفتحها الباقون.

فمن فتح أراد المصدر، ومن كسر أراد موضع النسك، كالمجْلِس والمطْلِع.

وقال أبو علي: فتح السين أولى؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون مصدراً أو مكاناً، وكلاهما مفتوح العين، إذا كان الفعل [على فَعَلَ]: يَفْعُلُ، نحو: قَتَلَ يقْتُلُ مَقْتَلاً، وهذا مقْتَلُ القوم، وكذلك نَسَكَ ينْسُكُ مَنْسَكَاً، وهذا منْسَكُ القوم.

ووجه الكسر: أنه قد يجيء اسم المكان من هذا النحو على المَفْعِل، نحو المَطْلِع، وهو من طَلَعَ يَطْلُعُ، والمسجد، وهو من سَجَدَ يسْجُدُ، فيمكن أن يكون هذا مما شذّ أيضاً عن قياس الجمهور، فجاء اسم المكان على غير القياس، ولا يقدم على هذا إلا بالسمع، ولعل الكسائي سمع ذلك.

ومعنى الآية: لكل جماعة مؤمنة من الأمم السالفة جعلنا ذبائح يتقربون بها إلينا، أو أمكنة يتقربون بالذبائح فيها إلينا.

{ لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ } أي: [على] نحر ما رزقهم { مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ }. وقد أفادت هذه [الآية] أمرين:

أحدهما: إعلامنا أن النسائك ليست من خصائص هذه الأمة.

والثاني: شرعية التسمية عليها أيضاً عند ذوي الهدي من الأمم الخالية.

{ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } فلا ينبغي أن تذكروا اسم غيره، على ما رزقكم وخلقه لكم، { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } انقادوا { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } ذكرنا اشتقاقه فيما مضى وما قيل فيه.

وقال الخليل بن أحمد: هم الذين لا يَظلمون، [وإذا] ظُلموا لا ينتصرون.

{ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } سبق تفسير ذلك كله.

{ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ } جمهور القراءة على جرّ " الصلاةِ " بالإضافة من غير احتفال بالألف واللام؛ لأنها بمعنى: الذين، بدليل قوله: { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } ، فـ " الذين " نصب صفة " للمخبتين " ، ثم قال: " والصابرين " ، تقديره: والذين صبروا. ثم قال: " والمقيمي الصلاة " أي: والذين أقاموا الصلاة.

ولما كانت بمعنى: الذي، وكان الاسم في صلته بمعنى الفعل، نَصَبَ الحسن البصري وأبو عمرو فيما قرأتُه على شيخنا أبي البقاء النحوي له من رواية عبد الوارث عنه، فقرأ: " والمقيمي الصلاةَ " بنصب التاء، وعلى هذا أنشدوا:
الحافِظُوا عورةَ العشيرةِ لا     يأتيهمُ مِنْ وَرائهمْ نَطَفُ
والنَّطَفُ: التَّلَطُّخُ بالعَيْب. وقرأ ابن مسعود: " والمقيمين الصلاة " بالنصب على الأصل.

وقال ابن جني: أراد: والمقيمين، فحذف النون تخفيفاً، لا لِتُعَاقِبَها الإضافة، وشبّه ذلك باللَّذَيْن والذِين في قوله:
فَإِنَّ الذِي حَانَتْ بفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ     هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ
حذف النون من " الذين "؛ تخفيفاً لطول الاسم، فأما الإضافة فساقطة، وعليه قول الأخطل:

السابقالتالي
2