قوله تعالى: { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } القول على ذلك هاهنا كالقول على التي قبلها، ومثله أيضاً{ ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ } [الحج: 60]، والشعائر مذكورة في سورة البقرة. والمراد بها هاهنا: الهدايا المُشْعَرَة بشَقِّ صفحة سنامها؛ ليُعلم أنها هدي. ومعنى تعظيمها: استحسانها واستسمانها وتخيُّرها وترك المِكَاس فيها. وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما عن أبيه: " أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة درهم، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدناً، فنهاه عن ذلك، وقال: بل اهديها " و " أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه بُرَةٌ من ذهب " وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدق بلحمها وبجِلالها. { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } قال الزمخشري: المعنى: فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه الإضافات، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها؛ لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى " من " [ليرتبط] به. وإنما ذُكِرَت القلوب؛ لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء. { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أي: لكم في الشعائر منافع بركوبها، وشُرْبِ لبنها الفاضل عن ولدها، { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهو وقت نحرها. هذا قول عطاء، ومذهب الأئمة الثلاثة؛ أحمد، ومالك، والشافعي، ومنع من ذلك أبو حنيفة وكثير من المفسرين. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: " لكم فيها منافع " يعني: قبل أن يسميها صاحبها هدياً [أو يشعرها] ويوجبها، فإذا فعل ذلك لم يكن له من منافعها شيء. والأول أصح؛ لما أُخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال له: اركبها، فقال: يا رسول الله إنها بدنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اركبها ويلك، في الثانية أو الثالثة " وأباح ذلك قوم عند الضرورة؛ لما أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها " ولأن الله تعالى قال: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أي: في الشعائر، وقبل إيجابها لا تسمى شعائر، وهذا الذي ذكرناه من تفسير الشعائر وفرّعنا عليه هو المشهور عند المفسرين والفقهاء. وقد روي عن ابن عباس أيضاً: أن الشعائر: المناسك ومشاهد مكة. فيكون المعنى: لكم فيها منافع بالتجارة، أو منافع الآخرة؛ وهو الأجر والثواب، أو مجموع ذلك، إلى أجل مسمى، وهو انقضاء الموسم. قوله تعالى: { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } يتفرع القول فيه على القولين في الشعائر. فعلى الأول؛ المعنى: ثم محل نحرها إلى البيت، أي: عند البيت العتيق، وهو الحرم كله. وعلى الثاني: المعنى: ثم محل الناس من شعائر الحج ومناسكه إلى البيت العتيق، وهو الطواف به بعد قضاء المناسك.