قوله تعالى: { ذٰلِكَ } خبر مبتدأ، تقديره: الأمر أو الشأن ذلك الذي ذُكِرَ من أعمال الحج. { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } الحُرُمات: جمع حُرْمَة، وهي ما لا يَحِلُّ هتْكُه. قال الزجاج: الحُرْمَة: ما وجب القيامُ به وحَرُمَ التفريط فيه. وقال غيره: جميعُ ما كلَّفَه الله عز وجل بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها، فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصاً فيما يتعلق بالحج. وقال ابن زيد: الحُرُمات هاهنا: البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإحرام. { فَهُوَ } يعني: التعظيم { خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } في الآخرة، { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي: إلا ما يُقرأ عليكم تحريمه، وهو ما ذَكَرَهُ في سورة المائدة في قوله: { حرمت عليكم الميتة... الآية }. وقيل: المعنى: وأُحِلَّت لكم الأنعام في حال إحرامكم، إلا ما يتلى عليكم في الصيد فإنه حرام. { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } الرِّجْس مُفسرٌ في المائدة. وقوله: " من الأوثان " بيان للرجس، كقولك: عندي عشرون من الدراهم. وقال الزجاج: " مِنْ " هاهنا لتخليص جنس من أجناس. المعنى: فاجتنبوا الرجس الذي هو وَثَن. { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } قال ابن مسعود: هو الكذب وشهادة الزور. وقال الزجاج: هو قولهم:{ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } [النحل: 116]. وقال صاحب الكشاف: جمع [الشرك] وقول الزور في قران واحد، وذلك أن الشرك من باب الزور؛ لأن المشرك زاعم أن الوثن تَحِقُّ له العبادة، فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور، واجتنبوا قول الزور كله، لا تقربوا شيئاً منه لتماديه في القبح والسَّمَاجَة. وقوله: { حُنَفَآءَ للَّهِ } سبق تفسيره. وهو نصب على الحال. ولما كان المشركون يتسمّون حنفاء لمكان اعتصامهم بالحج والختان وتحريم الأمهات والبنات وغير ذلك من شريعة إبراهيم قال: { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ }. ثم إن الله تعالى ضرب للمشرك مثلاً فقال: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } وقرأ نافع: " فتخَطَّفُه " بفتح الخاء وتشديد الطاء، أصله: تَتَخَطَّفُه، تَتَفَعَّلُ من الخطف، فحذفت تاء التفعل. والمعنى: تأخذه بسرعة. { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ } أي: تُسْقِطُه { فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } أي: بعيد. قال بعضهم: شبّه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة، فهو هالك لا محالة؛ إما باستلاب الطير، وإما بسقوطه في المكان السحيق. وقيل: شبّه الإيمان في علوّه بالسماء، والمشرك بالساقط من السماء والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة والشياطين التي تردده في [أودية] الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة.