الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } * { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }

قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } قال ابن عباس وغيره: نزلت في النضر بن الحارث، وكان جَدِلاً يكذب بالقرآن، ويقول: الملائكة بنات الله، ويزعم أن الله لا يقدر على إحياء الموتى.

وروى عطاء عن ابن عباس أيضاً: أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة.

وفي قوله: { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } إشارة إلى أن جداله لا يستند إلى برهان عقلي، ولا بيان نقلي، وإنما هو جِدَالٌ شيطاني، فهو لعناده يَتَّبع ما تُسَوِّلُ له شياطينه. وقد سبق ذكر المَرِيد في سورة النساء.

قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْهِ } أي: قُضِيَ على الشيطان { أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ } أي: جعله ولياً له، { فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ } عن طريق الجنة { وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } ، وهذه الآية وإن نزلت على سبب خاص فإنها عامة في كل مجادل في الله؛ في صفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، بغير كتاب ناطق ولا سُنَّةٍ واضحة، بل يخبط بآرائه الغائلة [المختلّة] وأهوائه المُرْدِيَة المُضِلَّة.

فإن قيل: الضمير في " أنه " " فأنه " إلى أي شيء يرجع؟

قلتُ: الظاهر اتحاد الضمائر، وأنّ الضمير فيهما يرجع إلى الشيطان. وقد جَوَّزَ بعضهم أن يكون ضمير الشأن، على معنى: كتب على الشيطان أن الأمر والشأن من تولى الشيطان، فالشأن أن الشيطان يُضِلُّه.

فإن قيل: ما وجه الفتح في " أنه " " فأنه " ، ووجه قراءة أبي مجلز وأبي العالية بالكسر فيهما؟

قلتُ: من فتَحَهُما جعل الأولى فاعل " كُتِبَ " ، والثاني عطف عليه. ومن كسرهما فعلى حكاية المكتوب، كما تقول: كتبتُ أن الله هو الغني الحميد، أو على تقدير: قيل له، أو على أن " كُتِبَ " فيه معنى القول.

فإن قيل: " من " هاهنا شرطية، أو [بمعنى] الذي؟

قلتُ: جائز أن تكون بمعنى الذي، وقوله: " تولاه " في صلة " مَنْ ". وقوله: { فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ } مبتدأ، تقديره: الشأن أنه يضله، والمبتدأ مع أنَّ واسمه وخبره خبر " مَنْ " ، ودخلت الفاء؛ لأن الموصول يتضمن معنى الشرط والجزاء. وجائز أن تكون شرطية، و " تولاه " في موضع الجزم بـ " مَنْ " ، والفاء مع " أنَّ " وما بعده في موضع الجواب والشرط، والجواب خبر " أنّ " الأولى.