الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

قوله تعالى: { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } أي: ليحصلوا منافع.

قال ابن عباس وأكثر المفسرين: يعني: التجارة والأسواق.

وقال مجاهد: منافع الدنيا والآخرة. وهو أصح.

{ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } قال الحسن ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين: هي أيام العشر.

وقيل لها معلومات؛ للحرص على علمها بالحساب مُراعاة لوقت الحج.

وقيل: هي أيام الحج؛ يوم عرفة، ويوم الأضحى، وثلاثة أيام بعده. والقولان عن ابن عباس.

وقيل: هي أيام النحر.

قال الزجاج مُرجِّحاً لهذا القول: الذِّكْر هاهنا يدل على التسمية على ما يُنْحَر؛ لقوله: { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ }.

وقال القاضي أبو يعلى: يحتمل أن يكون الذِّكْر المذكور هاهنا هو الذِّكْر على الهدايا الواجبة؛ كالدم الواجب لأجل التمتع والقِران، ويحتمل أن يكون الذِّكْر المفعول عند رمي الجمرات وتكبير التشريق؛ لأن الآية عامة في ذلك.

قوله تعالى: { فَكُلُواْ مِنْهَا } أباح الله تعالى الأكل من بهيمة الأنعام التي تنحر قُرْبَةً وتطوعاً، فأما الدماء الواجبة فلا يأكُلُ منها صاحبها شيئاً، إلا أنّ إمامنا أحمد وأبا حنيفة رحمهما الله تعالى جَوَّزا الأكل من دم المتعة والقِران، وجوّز أيضاً إمامنا في رواية عنه الأكل من جميع الدماء الواجبة إلا النذر وجزاء الصيد، وهو قول مالك، إلا أنه استثنى أيضاً فدية الأذى.

{ وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } البائس: الذي أصابه بُؤْسٌ، أي: شدة، والفقير تقدم ذكره.

قوله تعالى: { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } قرأ ابن عامر وأبو عمرو وورش: " ثم لِيَقْضُوا " بكسر اللام. وقرأ الباقون بسكونه، وقد أشرنا إلى علة ذلك فيثُمَّ لْيَقْطَعْ } [الحج: 15].

والتَّفَث: الوَسَخُ والقذارة، وقضاؤه: إزالته وإذهابه؛ كقصّ الشارب، والأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط.

قال الزجاج: أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير، وكأنه الخروج من الإِحْرام إلى الإِحْلال.

قوله تعالى: { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } روى ابن ذكوان والمفسِّرُ عن ابن زيد عن الدّاجوني عن هشام: " ولِيوفوا ولِيطوفوا " بكسر اللام، وسكّنه الباقون، وعلته ما ذكرناه آنفاً في قوله:ثُمَّ لْيَقْطَعْ } [الحج: 15].

قال ابن عباس: { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } يعني: نحر ما نَذَرُوا من البدن.

وقال غيره: نذروا من أعمال البِرِّ في أيام الحج.

{ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } قال المفسرون: هذا هو الطواف الواجب الذي هو ركن من أركان الحج، ويسمى طواف الإفاضة.

فإن قيل: لم سُمِّيَ البيت العتيق؟

قلتُ: عنه أجوبة، أصحها: ما أخرجه الترمذي من حديث ابن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما سمي البيت [العتيق]؛ لأنه لم يظهر عليه جبار "

قال قتادة: كم من جَبَّار سار إليه ليهدمه فمنعه الله تعالى.

وقال سعيد بن جبير: أقبل تُبَّع يريد هدم البيت، حتى إذا كان بقُدَيْد أصابه الفَالِج، فدعا الأحبار فقالوا: إن لهذا البيت رباً ما قصده قاصد بسوء إلا حجبه عنه بمكروه، فإن كنتَ تريد النجاة مما عرض لك فلا تتعرّضه بسوء، قال: فأهدى للبيت أنطاعاً وكسوة فألبسها، وكان أول من ألبسه، ونحر عنده ألف ناقة، وعفا عن أهله وبَرَّهُم ووصَلَهُم.

السابقالتالي
2