الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ }

قوله تعالى: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } أي: واذكر حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت، أي: مباءة، أي: مرجعاً يُرْجَعُ إليه للعمارة والعبادة.

وقال الزجاج: أي: جعلنا مكان البيت مبوءاً لإبراهيم، والمُبَوَّأُ: المَنْزِلُ.

فالمعنى: أن الله تعالى أعلم إبراهيم عليه السلام مكان البيت، فبنى البيت على أُسِّهِ القديم.

قال السدي: لما أمره الله تعالى ببناء البيت لم يَدْرِ أين يبني، فبعث الله تعالى ريحاً خَجُوجاً فكشفتْ له ما حول الكعبة من الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل أن يُرفع أيام الطوفان.

وقد سبق ذكرُ بناء البيت وما قيل فيه في سورة البقرة.

قوله تعالى: { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } " أن " هي المفسِّرَة.

قال صاحب الكشاف: إن قلت: كيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيراً للتبوئة؟ قلتُ: كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة، فكأنه قيل: تَعَبَّدْنا إبراهيم، قلنا له: لا تشرك بنا شيئاً. { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ } حوله { وَٱلْقَآئِمِينَ } في الصلاة متوجهين إليه. وقيل: المقيمين بمكة، { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } ، والآية مُفَسَّرة في البقرة.

قوله تعالى: { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } أي: نَادِ فيهم. والمشهور في التفسير: أن المأمور بالأذان: إبراهيم.

وقال الحسن: محمد صلى الله عليه وسلم.

قال المفسرون: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت أمره الله تعالى أن يؤذن في الناس بالحج، فقال إبراهيم: وما يبلغ صوتي؟ فقال الله تعالى جل وعلا: عليك الأذان وعليّ البلاغ، فقام إبراهيم عليه السلام على المقام، - وقيل: على أبي قبيس -، فنادى: يا أيها الناس! إن ربكم قد بنى بيتاً فحُجُّوهُ، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله أن يحج، فأجابوه: لبيكَ اللهم لبيك.

قوله تعالى: { يَأْتُوكَ رِجَالاً } مشاة، وهو جمع رَاجل، مثل: صَاحِب وصِحَاب.

وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وجعفر بن محمد: " رُجَّالاً " بضم الراء وتشديد الجيم، ومثلهم قرأ عكرمة إلا أنه خفَّفَ الجيم. وقُرئ أيضاً " رُجالى " مثل: حُبارى.

قال أبو الفتح: " رُجَّالاً " جمع راجل، [ككاتب] وكُتَّاب، وعالم وعُلاَّم. وأما " رُجَالاً " فجمع غريب. وأما " رُجَالى " فمثل حُبَارَى وسُكَارَى.

ويروى: أن إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما حَجَّا ماشِيَيْن.

وحج الحسن بن علي رضي الله عنهما خمساً وعشرين حجة ماشياً من المدينة إلى مكة، والنجائب تُقَادُ معه.

وحج الإمام أحمد رضي الله عنه ماشياً مرتين أو ثلاثاً.

وحج علي بن شعيب على قدميه من نيسابور نيفاً وستين حجة.

قوله تعالى: { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } حال معطوفة على الحال التي قبلها، التقدير: رجالاً وركباناً على ما ضَمُرَ وأصابه الهزال من طول السُّرَى.

{ يَأْتِينَ } صفة لكل ضامر؛ لأنه في معنى الجمع.

قال الفراء: " يأتين " فعل للنُّوق.

وقرأ ابن مسعود: " يأتون " صفة للرجال والركبان.

{ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي: طريق بعيد. وبئرٌ عميقة: أي: بعيدة القعر.

وقرأ ابن مسعود: " معيق " يقال: بئر مَعِيقةٌ وعَمِيقةٌ بمعنى واحد. والأماعِقُ: أطرافُ المفازة.