الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: يَمْنَعُون الناس عن الدخول في دين الإسلام.

قال الزجاج: " يصدون " لفظ مستقبل عُطِفَ به على لفظ الماضي؛ لأن معنى " الذين كفروا ": الذين هم كافرون، فكأنه قال: إن الكافرين والصّادّين.

وقال الزمخشري: يقال: فلان يُحسن إلى الفقراء ويُنْعش المضطهدين، لا يراد حالٌ ولا استقبالٌ، وإنما يراد استمرار وجود الإحسان منه، والنَّعْشِ في جميع أزمنته، ومنه قوله: { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: الصدود منهم مستمر دائم. وقال غيره: يجوز أن تكون الواو في " ويصدون " واو الحال، على معنى: إن الذين كفروا صادّين عن سبيل الله، وخبر " إن " محذوف، تقديره: إنّ الذين هذه صفتهم هالكون أو مُعذَّبون.

قوله تعالى: { وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قال ابن عباس: كانوا يرون الحرم كله مسجداً.

وقيل: المراد به: نفس المسجد، كما قال تعالى:إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 96] على معنى: خلقناه لهم حرماً آمناً، أو جعلناه لهم قبلة ومطافاً ومَنْسَكاً لحَجِّهِم.

{ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } " العاكف " مبتدأ، و " البادي " عطف عليه، و " سواء " خبر مقدم، والجملة حال إن قلنا " للناس " هو الوقف، وإلا فهي مفعول ثان.

وقرأ حفص: " سواءً " بالنصب.

قال أبو علي: أبدل " العاكف " و " البادي " من " الناس " من حيث كانا كالشامل لهم، فصار المعنى: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء.

وقال الزمخشري: وجه النصب: أنه ثاني مفعولي " جعلناه " ، أي: جعلناه مستوياً العاكف فيه والبادي.

والعاكف: المقيم، والبادي: النازع إليه من غربة، من قولهم: بدا القوم؛ إذا خرجوا إلى الصحراء.

ومعنى استوائهما فيه: تساويهما في سُكْنى مكة والنزول بها، فليس أحد أحق بالمنزل من أحد، إلا أنه ليس للّاحقِ إخراج السابق. هذا قول ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير. وهو مذهب الإمامين [أبي] حنيفة وأحمد، وفيه مستدلٌّ لهما حيث ذهبا إلى الامتناع من بيع رباع مكة وإجارتها.

وقال الحسن ومجاهد: معناه: تساويهما في تفضيله وتعظيم حرمته وإقامة المناسك به، وهو قول الذاهبين إلى جواز بيع رباع مكة.

قوله تعالى: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } الباء في " بإلحاد " زائدة، كقوله:تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون: 20]، وقول الأعشى:
ضَمِنَتْ برزقِ عِيَالِينا أرماحُنا    ...............................
وقال الآخر:
نحن بنو جَعْدَةَ أربابُ الفَلَجْ    نضربُ بالسيفِ ونرجُوا بالفَرَجْ
أي: ضَمِنَتْ رزق، ونرجو الفرج.

وأنشدوا أيضاً:
بوادٍ يمانٍ يُنْبتُ الشَّثَّ صدرُه    وأسفلُهُ بالمَرْخِ والشَّبَهَان
أي: ويُنْبتُ أسفله المرخ والشَّبَهَان.

والشَّثُّ: شجر طيب الريح، مُرُّ الطعم. والمرخ: شجر سريع الوَرْي، ومنه قولهم: في كل شَجَرٍ نار، واستَمْجَدَ المرْخَ والعَفَارْ.

السابقالتالي
2