الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }

قوله تعالى: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث قيس بن عباد قال: (( سمعت أبا ذر رضي الله عنه يُقْسِمُ قَسَماً: إن { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } نزلت في الذين برزوا يوم بدر، حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة)).

وقال ابن عباس وقتادة: نزلت في أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحنُ أولى بالله وأقدُم منكم كتاباً، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله تعالى من كتاب، وأنتم تعرفون نبينا ثم كفرتُم حَسَداً.

وقال الحسن ومجاهد: نزلت في جميع المؤمنين والكفار.

وقال عكرمة: نزلت في اختصام الجنة والنار، قالت النار: خلقني الله لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني الله تعالى لرحمته.

والخصم يقع على الواحد والجمع، وهو هاهنا صفة وصف بها الفريق أو الجمع، ولهذا قال: " اختصموا ".

وفي حرف ابن مسعود: " اختصما ". ووجهه ظاهر.

وقوله: " في ربهم " أي: في دين ربهم.

ثم بَيَّنَ حال الفريقين فقال: { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } أي: سُوِّيَتْ لهم على مقادير جُثَثِهِم.

قال ابن عباس: قُمُصٌ من نار.

قال سعيد بن جبير: المراد بالنار هاهنا: النُّحاس.

{ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } وهو الماء الحار.

{ يُصْهَرُ بِهِ } وقرأ الحسن: " يصهَّر " بتشديد الهاء للمبالغة.

والمعنى: يُذابُ به، يقال: صهرتُ الشحْم بالنار.

{ مَا فِي بُطُونِهِمْ } من شحم ولحم ومعىً حتى يخرج من أدبارهم.

وفي قوله: { وَٱلْجُلُودُ } دليل على أن تأثيره في الباطن كتأثيره في الظاهر، وذلك أبلغ من قوله:وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15].

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحميم ليُصَبُّ على رؤوسهم فينفُذُ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فَيَسْلُتُ ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصَّهْر، ثم يُعاد كما كان " قال الترمذي: هذا حديث [حسن] غريب.

قوله تعالى: { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } ، وهي السِّياط، سُميت بذلك؛ لأنها تَقْمَعُ المضروب.

قال الضحاك: هي المطَارق.

أخبرنا حنبل بن عبدالله بن الفرج في كتابه، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبدالواحد، أخبرنا أبو علي [الحسن] بن علي بن المذهب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا أبو عبدالرحمن عبدالله بن الإمام أحمد قال: حدثني أبي، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو أن مِقْمَعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقَلُّوه من الأرض "

وقال الحسن: إن النار ترميهم بلهبها، حتى إذا كانوا في أعلاها ضُربوا بمقامع من حديد فَهَوُوا فيها سبعين خريفاً، فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربَهم زفيرُ لهبها فلا يستقرُّون ساعة.

قال مقاتل: إذا جَاشَتْ جهنم ألقتهم في أعلاها، فيريدون الخروج منها، فتتلقاهم خَزَنَةُ جهنم بالمقامع فيضربونهم، فيَهْوي أحدهم من تلك الضربة إلى قعرها، فذلك [قوله]: { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا }.

{ مِنْ غَمٍّ } وهو الكرب الذي أخذ بأنفاسهم، { أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ } أي: وقيل لهم ذوقوا { عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }.

قال الزجاج: هذا لأحد الخصمين.