الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }

قوله تعالى: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } المشهور في التفسير: أن الضمير في " يَنْصُرُهُ " لمحمد صلى الله عليه وسلم.

قال ابن قتيبة: هذه كناية عن غير مذكور، وكان قوم من المسلمين لشدة حَنَقِهِم على المشركين يستبطئون ما وعد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من النصر، وقوم من المشركين يريدون اتباعه ويخافون أن لا يتم أمره، فنزلت هذه الآية للفريقين.

قال مقاتل: نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا: إنا نخاف أن [لا] يُنصر محمد صلى الله عليه وسلم، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود، [فلا يجيرونا ولا يأوونا].

فعلى هذا؛ المراد بالنصر: الغلبة والقهر للأعداء.

وقال مجاهد: الضمير في " ينصره " يرجع على " مَنْ ".

والنصر بمعنى: الرزق، ومنه قول الأعشى:
أبوكَ الذي أجْدَى عَلَيَّ بنصره    فأنْصَبَ عَنِّي بعْدَه كُلَّ قائل
أي: من كان يظن أن لن يرزقه.

قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر فقال: من يَنْصُرُني نصره الله؟ أي: من يعطيني أعطاه الله.

ويقال: نصر المطر أرض كذا، أي: جادها وأحياها.

قال الراعي:
إذا دَخَلَ الشهرُ الحرامُ فَوَدِّعِي    بلاد تميمٍ وانصُري أرضَ عامر
قوله تعالى: { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أي: فليشْدُد حبلاً في سقف بيته، { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } قال الزجاج: أي: ثم ليمُدَّ الحبل حتى ينقطع فيموت [مُخْتَنِقاً].

وحمل الزمخشري القَطْعَ على الخنْق فقال: سُمِّي [الاختناق] قطعاً؛ لأن المخْتنق يقطعُ نَفَسَه بحبس مجاريه.

ومعنى الآية: ليُصَوِّرُ الظان المستبطئ النصر هذا الأمر في نفسه، بدليل قوله: " فلينظر " ، ولا نظر بعد الاختناق.

وقال ابن زيد: المعنى: فليمدد بسبب إلى السماء المعروفة، ثم ليقطع عن محمد صلى الله عليه وسلم الوحي إن قدر.

والمعنى: ليجهد جهده.

{ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } أي: حيلته، { مَا يَغِيظُ } " ما " مصدرية، تقديره: هل يُذهبنَّ كيده غيظه.

وأكثر القراء قرأوا: " ثم لْيَقْطَعْ فلينظر " بجزم اللام فيهما.

وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وورش بكسر اللام من " ليقطع ".

وفَتَحَ اللام من " فلينظر ": القزاز عن عبد الوارث عن أبي عمرو.

قال أبو علي: أصل هذه اللام - [يعني] في " ليقطع " - الكسر، بدليل أنك إذا ابتدأت بها قلت: لِيقم [زيد، كسرتها لا غير]، فإذا ألحقتَ الكلمة التي فيها اللام الواو أو الفاء أو ثُمَّ جاز إسكان اللام؛ لأن الفاء والواو يصيران من نفس الكلمة؛ لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه، فصار بمنزلة كَتِفٍ وفَخِذٍ، فإذا كان موضع الواو والفاء " ثمَّ " لم يُسَكِّنْه أبو عمرو؛ لأن " ثُمَّ " ينفصل بنفسه ويُسْكَتُ عليه دون ما بعده، ومن أَسْكَنَ اللام عنده [شَبّهَ] الميم من " ثمّ " بالفاء والواو.