الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } قال مجاهد وقتادة: على شَكٍّ.

وأصله من حَرْفِ الشيء وهو طَرَفُه، كأنه لشدة قلقه واضطرابه وعدم استقراره وتمكنه في الدين على حَرْفٍ منه.

{ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ } رخاء وعافية { ٱطْمَأَنَّ بِهِ } وسكن وثبت على الدين بذلك الخير، { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } ابتلاء واختبار بقلَّةِ مالٍ وجدبٍ ومرضٍ، { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } ارتدّ إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر، { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا } حيث لم يظفر بسؤله، { وَٱلأَخِرَةَ } بكفره بالله وبرسوله.

وقرأتُ ليعقوب من رواية زيد عنه: " خاسر الدنيا " بألف والنصب على الحال، " والآخرة " بالجر.

{ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } الظاهر لمن له أدنى مُسْكَةٍ من دراية وهداية.

قال المفسرون: نزلت في أعاريب كانوا يقدمون المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهم إذا صَحَّ جسمه، ونُتِجَتْ فرسه، وكَثُرَتْ ماشيته، وولدت امرأته غلاماً سوياً، اطمأنّ وقال: ما أصبت منذ دخلت في دين هذا إلا خيراً، وإن كان الأمر بخلافه قال: ما أصبتُ إلا شراً، وانْقَلَب.

قوله تعالى: { يَدْعُواْ } أي: يعبد { مِن دُونِ ٱللَّهِ } هذا المرتد المنقلب على وجهه { مَا لاَ يَضُرُّهُ } إن لم يعبده، { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } إن عبده، وهي الأصنام، { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } عن سنن الرشاد.

{ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } قال السدي: المعنى: يدعو لمن ضره في الآخرة بعبادته أقرب من نفعه.

قال المفسرون: هو الصنم لا [نفع] عنده أصلاً، وإنما جاء هذا على لغة العرب، وهم يقولون في الشيء الذي لا يكون: هذا بعيد. ومنه قولهم فيما حكاه الله تعالى عنهم:أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق: 3]، فلهذا قال: { أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } ، وهذا اختيار الزجاج.

وقال صاحب الكشاف: إن قلت: الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين، وهذا تناقض؟

قلتُ: إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم، وذلك أن الله تعالى سفَّه الكافر بأنه يَعْبُدُ جماداً لا يملك ضراً ولا نفعاً، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله أنه يستنفع به حين يستشفع به. ثم قال: يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصُرَاخٍ، حين يرى استضرارَهُ بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادّعاها: { لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } أو كرَّرَ يَدْعُو، كأنه قال: يَدْعُو يَدْعُو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ثم قال: لمن ضره بكونه معبوداً أقرب من نفعه بكونه شفيعاً: لبئس المولى.

[فإن] قيل: لا شبهة أنه لا يجوز: ضربت لزيداً، ولا دعوت لزيداً، فإنها لام الابتداء، ولا تسوغ هاهنا، فما وجه قوله: " يدعو لمن ضره "؟

قلتُ: هذه الآية كَثُرَ فيها نزاع الكوفيين والبصريين، وأنا أشيرُ لك إلى مقاصدهم بطريق الاختصار فأقول: زعم الفراء أن التقدير: مَنْ لَضَرُّهُ أقرب من نفعه، اللام داخلة على قوله: " ضَرُّهُ "؛ لأن ضَرُّهُ مبتدأ، قال: ولكن اللام قُدِّمَتْ كما يقدم أشياء في كلامهم، وأوردوا على الفراء إشكالاً لازماً، فقالوا: يلزم على هذا أن تكون اللام في صلة " مَنْ " ، وقد عُلِمَ أن الصلة أو شيئاً منها لا يتقدم على الموصول؛ لأن الصلة مع الموصول كالكلمة الواحدة، ولا يجوز أن يتقدم بعض الكلمة على بعض [كالدال] مثلاً على الزاي من زيد.

السابقالتالي
2