الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

قال الله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } قال أهل المعاني: لما كانت الاستعاذة من شر الموسوس في صدور الناس اقتطعهم من بين سائر الخلق، بإضافة الرب إليهم، تحقيقاً لمعنى استحقاق الاستعاذة به، وتنبيهاً لهم على الالتجاء إليه، والخضوع بين يديه؛ لأنه ربهم ومالكهم الذي يقدر على دفع ما يضرهم عنهم.

و { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } عطف بيان، لأنه قد يقال لغيره رَبُّ.

و { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } زيادة في البيان أيضاً، لأنه قد يقال لغيره جل وعلا رَبٌّ مَلِكٌ. وأما الإله فهو الذي لا يشارَك فيه.

{ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } وهو الشيطان.

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الشيطانُ جاثمٌ على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس ".

والخُنُوس: التأخر في خِفْيَة.

قوله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } جائز أن يكون في محل الجر صفة لـ " الوسواس ". وجائز أن يكون في محل النصب والرفع على الذم.

وفي توجيه الآية أقوال:

أحدها: أن " مِنْ " يتعلق بـ " يُوَسْوِسُ " ، ومعناه: ابتداء الغاية، على معنى: يوسوس في صدور الناس من جهة الجن ومن جهة الناس.

قال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.

وقال ابن جريج: وَسْوَاسُ الإنس: وَسْوَسَةُ النَّفْس.

القول الثاني: أن قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان لـ " الناس " ، فإن الجن يسمون ناساً كما يسمون نفراً ورجالاً في قوله:ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } [الجن: 1]، وقوله:يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ } [الجن: 6]. قاله الفراء.

الثالث: أن قوله: " من الجنة " بيان لـ " الوسواس " ، أي: الوسواس الذي هو من الجِنَّة. وقوله: " والناس " معطوف على " الوسواس ". المعنى: من شر الوسواس ومن شر الناس. وهذا اختيار الزجاج.

قال: وهذا المعنى عليه أمر الدعاء، أنه يستعاذ من شر الجن والإنس, ودليل ذلك:مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } [الفلق: 2].

الرابع: أن الكلام تم عند قوله: " الخناس " ، وما بعده استئناف مضمونه البيان، بأن الموسوس من هذين النوعين؛ الجن والإنس، وتقريره ما ذكرناه في القول الثاني.

وبالإسناد السالف قال أبو بكر السني: حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن العاص، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا ابن جابر، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر الجهني قال: " بينما أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لي: يا عقبة! ألا أعلمك من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ قلت: بلى يا رسول الله، فقرأ عليّ " قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس " ، قال: فلما أقيمت الصلاة -صلاة الصبح- قرأ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرّ بي فقال: كيف رأيت [يا عقبة]؟ اقرأ بهما كلما نمت وقُمت ".


السابقالتالي
2