الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } * { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } * { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } * { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } * { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

قال الله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي: ألوذ به وألجأ إليه.

و " الفَلَق ": الصبح، في قول الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعامة المفسرين واللغويين والعرف. تقول: هو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح.

وقال الضحاك: " الفلق ": الخلق كله.

قال الزجاج: إذا تأملت الخلق بان لك أن أكثره عن انفلاق؛ كالأرض بالنبات، والسحاب بالمطر.

وقال وهب والسدي: سجن في جهنم.

وجاء في بعض الآثار: أنه بيتٌ في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حرّه.

وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن ابن عباس.

{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } من الجن والإنس وسائر المخلوقات.

{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أخرج الترمذي من حديث عائشة قالت: " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر فقال: يا عائشة! استعيذي بالله من شر هذا، هو الغاسق إذا وقب ".

قال ابن قتيبة: يقال: " الغاسق ": القمر إذا كُسف فَاسْوَدَّ. ومعنى " وقب ": دخل في الكسوف.

وقال ابن زيد: يعني: الثريا إذا سقطت. قال: وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها.

وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وعامة المفسرين واللغويين: " الغسق ": الليل. ومعنى " وقب ": دخل في كل شيء فأظلم.

قال الزجاج: " الغاسق ": البارد، فقيل لللّيل غاسق؛ لأنه أبرد من النهار.

وقوله تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } وقرأتُ على شيخنا أبي البقاء للكسائي من رواية ابن أبي سريج عنه: " النافثات " بتقدم الألف على الفاء، وهنّ اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها بريقهن.

وقال بعض المفسرين: المراد بهن: بنات لبيد بن الأعصم، سحرن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمعنى: استعذ بالله من شر سحرهن.

{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } وقد ذكرنا الحسد وما جاء فيه وفي ذمّه في سورة البقرة.

قال صاحب الكشاف: إن قلت: قوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة [بعده] من الغاسق والنفاثات والحاسد؟

قلتُ: قد خصّ شر هؤلاء من كل شر؛ لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به.

فإن قلت: لم عَرَّف بعض المستعاذ منه ونَكَّر بعضه؟

قلتُ: عرّف " النفاثات "؛ لأن كل نفاثة شريرة، ونكّر " غاسق "؛ لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات. ومنه قوله عليه السلام: " لا حسد إلا في اثنتين ".

وقال:
..........................   إن العُلَى حَسَنٌ في مِثْلِها الحَسَد
وبالإسناد السابق قال أبو بكر السني: أخبرنا أبو عبد الرحمن -يعني: النسائي-، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي عمران أسلم، عن عقبة بن عامر قال: " تبعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئني سورة هود وسورة يوسف، فقال: لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله عز وجل من { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ".