الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

والسبب في نزولها: ما أخرج في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقال: أرأيتكم إن حدّثتكم أن العدو مصبّحكم أو ممسّيكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا تباً لك، فأنزل الله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } إلى آخرها ".

ومعنى: " تَبَّتْ ": خَسِرَتْ يدا أبي لهب. [والمراد: جملته، فهو كقوله:بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [الحج: 10].

وأبو لهب] عم النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه: عبد العزى، وكُنِّي بأبي لهب: لتوقد وجهه حُسْناً.

وإنما كَنَّاهُ الله تعالى؛ لاشتهاره بالكنية، والتسجيل عليه بأنه لا يراد بهذا الأمر الفظيع سواه، ولما في تسميته بعبد العزى من الشرك.

وقرأ ابن كثير: " لَهْبٍ " بإسكان الهاء، وهما لغتان، كالنَّهَر والنَّهْر، والشَّمْع والشَّمَع. وإنما يسوغ هذا فيما كان على هذا الوزن، وحرف الحلق عين الفعل [أو لامه].

قوله تعالى: { وَتَبَّ } إخبار أن التَّباب قد حصل له ووقع به. فالأول دعاء عليه، والثاني خبر.

ويؤيده قراءة ابن مسعود: " وقد تبّ ".

{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } استفهام في معنى الإنكار عليه. ويجوز أن يكون نفياً.

" وما " في قوله: { وَمَا كَسَبَ } موصولة أو مصدرية، ومحلها الرفع. على معنى: ما أغنى عنه ماله والذي كسبه، أو كسبه.

والمراد بكسبه: ولده. وكان قال حين أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان ما يقول محمد حقاً فإني أفتدي بمالي وولدي.

ويجوز أن يراد: ما أغنى عنه رأس ماله ولا أرباحه التي اكتسبها، أو ما أغنى عنه ماله الذي ورثه وما كسبه هو.

ثم توعده بالنار فقال: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }.

{ وَٱمْرَأَتُهُ } أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان، { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }.

قرأ عاصم: " حَمَّالَةَ " بالنصب على الذم. وقرأ الباقون: بالرفع على الصفة، أو على معنى: هي حمالة الحطب.

قال مجاهد والسدي: كانت تمشي بالنميمة. والعرب تقول: فلانٌ يحطب على فلان؛ إذا كان يُغري به ويُفسد أمره. قال الشاعر يذكر امرأة:
منَ البيضِ لمْ تُصْطَدْ على ظَهْرِ سَوْأَةٍ   ولم تَمْشِ بين الحيِّ بالحَطَبِ الرَّطْب
وقال الضحاك وابن زيد: كانت تحتطب الشوك فتُلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً.

والقولان عن ابن عباس.

وقال قتادة: كانت تُعَيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب، فعُيّرت بذلك.

قال الثعلبي: وهذا قول ليس بقوي؛ لأن الله وصفهم بالمال والولد، وحمل الحطب ليس بعيب.

قلتُ: وليس هذا التضعيف بشيء؛ لأن الاحتطاب مع كثرة المال دناءة وخسّة يأباها ذووا الأَنَفَة.

السابقالتالي
2