الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

والمعنى: إذا جاءك يا محمد { نَصْرُ ٱللَّهِ } على أعدائك من قريش وفتح مكة، وكان لعشر مضين من رمضان سنة ثمان.

{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } قال أبو عبيدة: جماعات في تفرقة.

قال الحسن: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب: أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان، فدخلوا في دين الله أفواجاً.

قوله تعالى: { فَسَبِّحْ } هو العامل في { إِذَا جَآءَ }.

والمعنى: فَصَلِّ، أو فقل: سبحان الله.

{ بِحَمْدِ رَبِّكَ } حامداً له حيث ردَّك إلى مكة ظاهراً عزيزاً قاهراً، تجرُّ عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، بعد أن خرجْتَ منها خائفاً متستراً، قد أظهر دينك، وأعلى كلمتك، وأوقع في القلوب هيبتك، وأنجز لك ما وعدك.

{ وَٱسْتَغْفِرْهُ } اطلب منه المغفرة؛ خضوعاً لجلاله، وإظهاراً لعظمته، وفقراً إلى رحمته، { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }.

وبالإسناد قال البخاري: حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: " ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أنزلت عليه: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي ".

قال: وأخبرني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن ".

وأخرجه مسلم أيضاً عن زهير بن حرب، عن جرير.

قال البخاري: حدثني عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن حبيب [بن] أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " أن عمر سألهم عن قول الله عز وجل: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }؟ قالوا: فتح المدائن والقصور. قال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال: أجل، أو مَثَلٌ ضُرِبَ لمحمد صلى الله عليه وسلم، نُعيت له نفسه ".

قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تُدْخِل هذا معنا ولنا أبناءٌ مثله؟ [فقال عمر]: إنه مَنْ قد علمتم. فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله عز وجل: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فقال بعضهم: أُمِرْنا نحمدُ الله ونستغفره إذا نُصِرْنا وفُتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: إذا جاء نصر الله والفتح، فذلك علامة أجلك، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول ".

وكان ابن مسعود يقول: إن هذه السورة تسمى: سورة التوديع.

قال قتادة: عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين. والله تعالى أعلم.