الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } * { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } * { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } * { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }

قوله تعالى: { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } قرأ ابن عامر: " لإِلاَفِ " بغير ياء بعد الهمزة، مثل: لَعِلافِ، جعله مصدر ألِفَ [إلافاً].

قال أبو طالب يوصي أبا لهب بالنبي صلى الله عليه وسلم:
ولا تَتْرُكْنَهُ ما حييتَ لِمُعْظَمٍ    وكنْ رَجُلاً ذا نَجْدَةٍ وعَفَاف
تذُودُ العِدَى عن ربوةٍ هاشميةٍ   إِلافُهُمُ في الناسِ خيرُ إِلاف
وقرأ الباقون بياء بعد الهمزة، جعلوه مصدر آلَفَ، وهما لغتان.

واتفقوا على إثبات الهمزة في الموضع الثاني، مصدر آلَفَ.

وكأن ابنَ عامر آثَرَ الجمع بين اللغتين في الكلمتين.

واختلفوا في متعلق اللام من " لإيلاف " ، فذهب جمهور العلماء إلى أنه متعلق بقوله:فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [الفيل: 5]، أي: أهلكهم الله لتبقى قريش، [وما] قدْ ألِفُوا من رحلة الشتاء والصيف. فتكون هذه السورة مرتبطة بما قبلها.

وقيل: إنهما في مصحف أبيّ سورة واحدة من غير فصل.

ويروى: أن عمر رضي الله عنه قرأهما في الركعة الثانية من صلاة المغرب.

وقال الأعمش والكسائي: هذه لام التعجب، كأن المعنى: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت.

وقال الزجاج: قال النحويون الذين تُرتضى عربيَّتُهُم: هذه اللام معناها متصل بما بعدها. المعنى: فليعبدوا رب هذا البيت لإِلْفِهِمْ رحلة الشتاء والصيف.

والتأويل: أن قريشاً كانوا يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام فيَمْتارون، وكانوا في الرحلتين آمنين، والناس يُتخطّفون، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهلُ حرم الله، فلا يُتعرّض لهم.

وكل من كان من ولد النضر بن كنانة، فهو من قريش.

واختلفوا في سبب تسميتهم بذلك؛ فقال الأكثرون: سُمُّوا قريشاً؛ لجمعهم المال، وكانوا أهل تجارة، ولم يكونوا أصحاب زرع ولا ضرع، والقَرْشُ: الكَسْبُ.

وقال معاوية لابن عباس: لم سمّيت [قريشُ] قريشاً؟ فقال: بدابّة تكون في البحر من أعظم دوابّه، يقال لها: قُريش، لا تمُرُّ بشيء من الغَثِّ والسمين إلا أكلته. وأنشده شعر الجمحي:
وقُريشٌ [هي] التي تسكنُ البحـ   ـر، بها سُميت قُريشٌ قريشا
تأكُلُ الغَثَّ والسَّمينَ، ولا تترُكُ   فيه لذي الجناحينِ رِيشَا
هكذا في البلادِ حيُّ قريشٍ   يأكلونَ البلادَ أكْلاً كَمِيشَا
ولهم آخرُ الزمانِ نبيٌ   يُكْثِرُ القتلَ فيهم والخُمُوشَا
قوله: { إِيلاَفِهِمْ }: ترجمة عن الأول وبدلٌ منه، { رِحْلَةَ }: مفعول به، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس.

{ فَلْيَعْبُدُواْ } أي: فليوحدوا { رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ } أي: من بعد جوع، كما تقول: كسوتك من عُرْي، أي: من بعد عُرْي.

قال عطاء عن ابن عباس: كانوا في ضُرٍّ ومجاعة حتى جمعهم [هاشمٌ] على الرحلتين، فكانوا يقْسمون ربحهم بين الغني والفقير، حتى كان فقيرُهم كغنيهم. فلم يكن [بنو] أبٍ أكثر منهم مالاً ولا أعزّ من قريش.

وقد قال الشاعر فيهم:
الخالطونَ فقيرَهُم بغنيِّهم   حتى يكونَ فقيرُهُم كالكَافي
{ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } إن حضروا آمنهم الحرم، وإن سافروا لا يُتعرض لهم، وغيرهم من العرب يتغاورون ويتناحرون. والله تعالى أعلم.