الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } * { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } * { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } * { كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } * { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } * { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } * { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } * { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ }

قال الله تعالى: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق.

وقال عروة: في العاص بن وائل.

وقال [ابن] إسحاق: في أمية بن خلف.

وقال مقاتل: في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه، ويطعن عليه في وجهه.

وقال مجاهد: هي عامة.

ولا منافاة بين الأقوال وأن يكون نزلت بسبب المذكورين، ولفظها عام يشمل من نزلت فيه وغيره.

قال أبو عبيدة والزجاج: الهُمَزَة واللُّمَزَة: الذي يغتاب الناس.

وقيل: معناهما مختلف.

قال ابن عباس: الهُمَزَة: المغتاب، واللُّمَزَة: العَيَّاب.

وقال الحسن: الهُمَزَة: الذي يهمِزُ الإنسان في وجهه، واللُّمَزَة: الذي يلمِزُه إذا أدبر عنه.

وقال ابن زيد: الهُمَزَة: الذي يهمِزُ الناس بيده، واللُّمَزَة: الذي يلمزُهُم بلسانه.

وقيل: غير ذلك.

ثم وصفه فقال: { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً } وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: " جَمَّعَ " بالتشديد، وهو مطابق لقوله: { وَعَدَّدَهُ }.

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن: " وَعَدَدَه " بالتخفيف.

قال الزجاج: فمن قرأ " وعدَّدَه " بالتشديد كان معناه: عدَّدَه للدهور، فيكون من العدّة، يقال: أعددت الشيء وعدَّدْتُه؛ إذا أمسكتُه.

ومن قرأ بالتخفيف -قال الزجاج-: معناه: جمع مالاً وعَدداً، أي: وقوماً أعدَّهم أنصاراً. فيكون الضمير على هذا عائداً إلى الهُمَزَة.

وقال الزمخشري: " وعَدَدَه " -بالتخفيف- بمعنى: وضَبَطَ عَدَدَه وأحصاه.

{ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } تَرَكَهُ خالداً في الدنيا لا يموت، فهو يدأب في تثميره، غير مهتمّ بأمر آخرته، ولا عاملٍ بحق الله فيه.

{ كَلاَّ } ردعٌ له عن حسبانه، أو كلا لا يُخلده ماله.

{ لَيُنبَذَنَّ } وقرأ الحسن: " ليُنْبَذَانَّ " يعني: هو وماله { فِي ٱلْحُطَمَةِ } وهو اسم من أسماء جهنم.

قال مقاتل: تُحَطِّم العظام، وتأكلُ اللحمَ حتى تهجم على القلوب، وذلك قوله: { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } قال: يخلص حَرُّها إلى القلوب، ثم تُكسى لحماً جديداً، ثم تُقبِل عليهم فتأكلهم.

قال الفراء: يبلغ ألمها الأفئدة. والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد، والعرب تقول: متى طلعتَ أرضنا، أي: بلغت.

فإن قيل: العذاب شامل لجميع أجزائه، فلم خصّ الأفئدة؟

قلتُ: فيه إيذانٌ بزيادة عذابها، ومضاعفة ألمها.

فإن قيل: فلم خُصّت بالزيادة؟

قلتُ: لأنها مَقَرُّ الكفر والعقائد الخبيثة.

وقيل: خصّ الأفئدة؛ لأن الألم إذا وصل إلى الفؤاد مات صاحبه، فأخبر أنهم في حال من يموت، وهم لا يموتون.

ومعنى { مُّؤْصَدَةٌ }: مُطْبِقَة. وقد ذكرناه في آخر سورة البلد.

قوله تعالى: { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً: " عُمُدٍ " بضم العين والميم، وفتحهما الباقون.

قال الفراء وغيره: هما جمعان [للعَمُود]، كرسُول ورُسُل، وأديم وأُدُم.

قال مكي: الياء كالواو في البناء.

وقال أبو عبيدة والزجاج: كلاهما جمع: العِمَاد، مثل: إِهَابٍ وأَهَبٍ [وأُهُبٍ]، وهي أوتاد الأطباق التي تُطبق على أهل النار.

وفي قراءة عبد الله: " بعُمُد " ، وهذا تفسيرٌ لقراءة العامة.

المعنى: أنها عليهم مُطْبَقَة بعُمُد. وفي آخر البلد عن مقاتل ما يؤيد هذا المعنى.

وقيل: المعنى مؤصدة موثقين في عمد ممددة مثل المقاطر التي تُقْطَرُ [فيها] اللصوص، أجارنا الله تعالى منها.