قال الله تعالى: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق. وقال عروة: في العاص بن وائل. وقال [ابن] إسحاق: في أمية بن خلف. وقال مقاتل: في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه، ويطعن عليه في وجهه. وقال مجاهد: هي عامة. ولا منافاة بين الأقوال وأن يكون نزلت بسبب المذكورين، ولفظها عام يشمل من نزلت فيه وغيره. قال أبو عبيدة والزجاج: الهُمَزَة واللُّمَزَة: الذي يغتاب الناس. وقيل: معناهما مختلف. قال ابن عباس: الهُمَزَة: المغتاب، واللُّمَزَة: العَيَّاب. وقال الحسن: الهُمَزَة: الذي يهمِزُ الإنسان في وجهه، واللُّمَزَة: الذي يلمِزُه إذا أدبر عنه. وقال ابن زيد: الهُمَزَة: الذي يهمِزُ الناس بيده، واللُّمَزَة: الذي يلمزُهُم بلسانه. وقيل: غير ذلك. ثم وصفه فقال: { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً } وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: " جَمَّعَ " بالتشديد، وهو مطابق لقوله: { وَعَدَّدَهُ }. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن: " وَعَدَدَه " بالتخفيف. قال الزجاج: فمن قرأ " وعدَّدَه " بالتشديد كان معناه: عدَّدَه للدهور، فيكون من العدّة، يقال: أعددت الشيء وعدَّدْتُه؛ إذا أمسكتُه. ومن قرأ بالتخفيف -قال الزجاج-: معناه: جمع مالاً وعَدداً، أي: وقوماً أعدَّهم أنصاراً. فيكون الضمير على هذا عائداً إلى الهُمَزَة. وقال الزمخشري: " وعَدَدَه " -بالتخفيف- بمعنى: وضَبَطَ عَدَدَه وأحصاه. { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } تَرَكَهُ خالداً في الدنيا لا يموت، فهو يدأب في تثميره، غير مهتمّ بأمر آخرته، ولا عاملٍ بحق الله فيه. { كَلاَّ } ردعٌ له عن حسبانه، أو كلا لا يُخلده ماله. { لَيُنبَذَنَّ } وقرأ الحسن: " ليُنْبَذَانَّ " يعني: هو وماله { فِي ٱلْحُطَمَةِ } وهو اسم من أسماء جهنم. قال مقاتل: تُحَطِّم العظام، وتأكلُ اللحمَ حتى تهجم على القلوب، وذلك قوله: { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } قال: يخلص حَرُّها إلى القلوب، ثم تُكسى لحماً جديداً، ثم تُقبِل عليهم فتأكلهم. قال الفراء: يبلغ ألمها الأفئدة. والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد، والعرب تقول: متى طلعتَ أرضنا، أي: بلغت. فإن قيل: العذاب شامل لجميع أجزائه، فلم خصّ الأفئدة؟ قلتُ: فيه إيذانٌ بزيادة عذابها، ومضاعفة ألمها. فإن قيل: فلم خُصّت بالزيادة؟ قلتُ: لأنها مَقَرُّ الكفر والعقائد الخبيثة. وقيل: خصّ الأفئدة؛ لأن الألم إذا وصل إلى الفؤاد مات صاحبه، فأخبر أنهم في حال من يموت، وهم لا يموتون. ومعنى { مُّؤْصَدَةٌ }: مُطْبِقَة. وقد ذكرناه في آخر سورة البلد. قوله تعالى: { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً: " عُمُدٍ " بضم العين والميم، وفتحهما الباقون. قال الفراء وغيره: هما جمعان [للعَمُود]، كرسُول ورُسُل، وأديم وأُدُم. قال مكي: الياء كالواو في البناء. وقال أبو عبيدة والزجاج: كلاهما جمع: العِمَاد، مثل: إِهَابٍ وأَهَبٍ [وأُهُبٍ]، وهي أوتاد الأطباق التي تُطبق على أهل النار. وفي قراءة عبد الله: " بعُمُد " ، وهذا تفسيرٌ لقراءة العامة. المعنى: أنها عليهم مُطْبَقَة بعُمُد. وفي آخر البلد عن مقاتل ما يؤيد هذا المعنى. وقيل: المعنى مؤصدة موثقين في عمد ممددة مثل المقاطر التي تُقْطَرُ [فيها] اللصوص، أجارنا الله تعالى منها.