قال ابن عباس: العصر: الدهر. واختاره الفراء وابن قتيبة. أقسم الله به؛ لما فيه من الآيات والعبر، ومروره على نظام بديع لا ينخرم. وقال [الحسن]: العصر: ما بين زوال الشمس وغروبها. قال الزجاج: والعصر الدهر، والعصر اليوم، والعصر الليلة. قال الشاعر:
ولنْ يَلَبَثَ العَصْرانِ يومٌ وليلةٌ
إذا طَلَبَا أن يُدْرِكَا ما تَيَمَّمَا
وقال آخر:
وأَمْطُلُهُ العَصْرَيْن حتى يَمَلَّنِي
ويرضَى بنصفِ الدَّيْنِ والأنْفُ رَاغِمُ
وقال مقاتل: صلاة العصر. قال غيره: أقْسَمَ اللهُ بها لفضلها، من كونها الصلاة الوسطى، [وكان] رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض الناس على مراعاتها حتى قال: " من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله ". وجواب القسم: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ } وهو اسم جنس { لَفِى خُسْرٍ } أي: خسران. قال أهل المعاني: الخسْرُ: هلاك رأس المال أو نقصانه، فإذا لم يعمل الإنسان بطاعة الله فقد خسر نفسه وعمره، وهما أكبر رأس ماله. وقد ذكرت هذا المعنى في البقرة. [ { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } وهو أداء الفرائض]. قوله تعالى: { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } التوحيد والقرآن وغيرهما، من الأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره. { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } على طاعة الله وعن معصيته. قال إبراهيم النخعي: أراد: أن الإنسان إذا عمّر في الدنيا [لفي] نقص وضعف، إلا المؤمنين فإنهم تُكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم وقوتهم وصحتهم. وهي مثل قوله:{ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ... } الآية [التين: 4-6]. وروى علي بن رفاعة عن أبيه قال: حججتُ فوافيت علي بن عباس يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَٱلْعَصْرِ (*) إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } أبو جهل بن هشام، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أبو بكر الصديق، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } عمر بن الخطاب رضي الله عنه، { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } عثمان بن عفان، { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. ويُروى مثل هذا التفسير مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.