الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } * { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } يقول إذا مضى الأشهر التي جعلتها أجلهم { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } في الحل والحرم، يعني المشركين الذين لا عهد لهم بعد ذلك الأجل. ويقال إن هذه الآية { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } نسخت سبعين آية في القرآن من الصلح والعهد والكف مثل قولهقُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } [الأنعام: 66] وقولهلَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } [الغاشية: 22] وقولهفَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } [النساء: 63] وقولهلَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 6] وما سوى ذلك من الآيات التي نحو هذا صارت كلها منسوخة بهذه الآية ثم قال { وَخُذُوهُمْ } يعني أيسروهم وشدوهم بالوثاق { وَٱحْصُرُوهُمْ } يعني إن لم تظفروا بهم فاحصروهم في الحصن والحصار. قال الكلبي: يعني واحبسوهم عن البيت الحرام أن يدخلوه وقال مقاتل: واحصروهم يعني التمسوهم. { وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } يعني: ارصدوا لهم بكل طريق، وقال الأخفش: يعني اقعدوا لهم على كل مرصد. وكلمة على محذوفة من الكلام ومعناه واقعدوا لهم على كل طريق يأخذون. { فَإِن تَابُواْ } من الشرك { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني: وأقروا بالصلاة { وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ } يعني: وأقروا بالزكاة المفروضة { فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } يعني: اتركوهم ولا تقتلوهم { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يعني غفور لما كان من الذنوب في الشرك، رحيم بهم بعد الإسلام. فقال رجل من المشركين يا عليّ. إن أراد رجل منا بعد انقضاء الأجل أن يأتي لمحمد ويسمع كلامه أو يأتيه لحاجة أيقتل؟ فقال عليّ لا. يقول الله تعالى { وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ } يعني: استأمنك. ويقال فيه تقديم، ومعناه وإن استجارك أحد من المشركين، يقول إن طلب أحد من المشركين منك الأمان { فَأَجِرْهُ } أي: فأمنه { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } يعني: أعرض عليه القرآن حتى يسمع قراءتك كلام الله تعالى. فإن أبى أن يسلم. { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } يقول فرده إلى مأمنه من حيث أتاك { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } يعني أمرتك بذلك لأنهم قوم لا يعلمون حكم الله تعالى، وفي الآية دليل أن حربياً لو دخل دار الإسلام على وجه الأمان يكون آمناً ما لم يرجع إلى مأمنه. ثم قال على وجه التعجب { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وعِنْدَ رَسُولِهِ } ويقال على وجه التوبيخ، يعني: لا يكون لهم عهد عند الله ولا عند رسوله. ثم استثنى فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } يعني بني كنانة. وبني ضمرة وهم لم ينقضوا العهد فأمر الله بإتمام عهدهم، ويقال هم بنو خزاعة وبنو مدلج وبنو خزيمة. { فَمَا ٱسْتَقَـٰمُواْ لَكُمْ } على وفاء العهد { فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ } بالوفاء على التمام { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين يتقون ربهم ويمتنعون عن نقض العهد.

قوله تعالى: { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا... }