الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } * { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } * { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ }

{ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } يعني إن أصابك الغنيمة والنصر ساءهم ذلك { وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ } يعني الشدة والنكبة الهزيمة { يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ } يعني: حذرنا بالقعود والتخلف من قبل المصيبة { وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } بما أصابك وبتخلفهم. قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } يعني: إلاَّ ما قضى لنا وقدر علينا من شدة أو رخاء. ويقال إلاّ ما كتب الله لنا يعني في اللوح المحفوظ، ويقال إلاّ ما كتب الله لنا في القرآن وهو قوله تعالى:فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } [التوبة: 111] ثم قال { هُوَ مَوْلَـٰنَا } أي: ولينا وناصرنا وحافظنا { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } يعني وعلى المؤمنين واجب أن يتوكلوا على الله. ويقال: وعلى الله فليثق الواثقون، ثم قال تعالى: { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } إمّا الشهادة وإمّا الغنيمة { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ } يعني ننتظر بكم { أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مّنْ عِندِهِ } وهو الموت { أَوْ بِأَيْدِينَا } يعني: فيأمرنا أن نقتلكم، ويقال معناه قل هل تربصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين يعني: إلا إحدى الخيرين. ونحن نتربص بكم إحدى الشرين. فبين ما ننتظر وتنتظرونه فرق عظيم. { فَتَرَبَّصُواْ } يعني: انتظروا بنا الهلاك { إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ } يعني: المنتظرين لإهلاككم، ثم قال عز وجل: { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } يعني: قل للمنافقين أنفقوا طوعاً من قبل أنفسكم أو كرهاً مخافة القتل { لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } النفقة { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } يعني: منافقين. فقوله أنفقوا اللفظ لفظ الأمر والمعنى معنى الخبر يعني إن أنفقتم. كما إنه يذكر لفظ الخبر والمراد به الأمر كقولك غفر الله لك وقولك رحم الله فلاناً. يعني اللهم اغفر له. وها هنا اللفظ لفظ الأمر ومعناه الخبر والشرط يعني إن أنفقتم طوعاً أو كرها لن يتقبل منكم. قرأ حمزة والكسائي كُرْهاً بضم الكاف. وقرأ الباقون كَرْهاً بالنصب. ثم بين المعنى الذي لم تقبل نفقاتهم من أجله فقال تبارك وتعالى { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَـٰتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } يعني في السر. قرأ حمزة والكسائي لنْ يَقْبَل بالياء على لفظ التذكير. وقرأ الباقون بلفظ التأنيث لأن الفعل مقدم، فيجوز أن يذكر ويؤنث قوله: { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ } يعني: متثاقلين ولا يرونها واجبة عليهم { وَلاَ يُنفِقُونَ } في الجهاد { إِلاَّ وَهُمْ كَـٰرِهُونَ } غير محتسبين. ثم قال عز وجل { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوٰلُهُمْ } يعني: كثرةَ أموالهم { وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } في الآية تقديم وتأخير. قال ابن عباس: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنّما يريد الله ليعذبهم في الآخرة ثم قال { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ } يعني تذهب أنفسهم وتقبض أرواحهم. وأصله الذهاب كقوله تعالى:وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ } [الإسراء: 81] { وَهُمْ كَـٰفِرُونَ } يعني يقبض أرواحهم على الكفر. قوله تعالى: { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ... }