الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ }

{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ } معك إلى الغزوة { لأعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } يعني: اتخذوا لأنفسهم قوة من السلاح. معناه إن تركهم العدة دليل على إرادتهم التخلف ثم قال: { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } يعني: لم يرد الله خروجهم معك لخبثهم وسوء نياتهم { فَثَبَّطَهُمْ } يعني: حبسهم وأقعدهم عن الخروج. ويقال ثقلهم عن الخروج. ويقال جعل حلاوة الجلوس في قلوبهم حتى أقعدهم عن الخروج { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَـٰعِدِينَ } يعني ألهموا وخيل لهم القعود مع المتخلفين. ثم أخبر الله تعالى أن لا منفعة للمسلمين في خروجهم معهم بل عليهم مضرة منهم فقال تعالى: { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم } يعني: المنافقين لو خرجوا معكم { مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } يعني فساداً. ويقال شراً وجبناً { ولأَوْضَعُواْ خِلَـٰلَكُمْ } يقول: ساروا بينكم، والإيضاع في اللغة هو إسراع الإبل. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أفاض من عرفات: " أيها الناس عليكم بالسكينة والوقَار فإن البر ليس في إيضاع الإبل ولا في إيجاف الخيل " يعني إن المنافقين لو خرجوا معكم يسرعون الإبل فيما بينكم ويؤتونكم. ثم قال { يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ } يعني يطلبون منكم الشرك ويطلبون هزيمتكم وعيوبكم ويفشون سركم { وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ } يعني: وفي عسكركم عيون وجواسيس للمنافقين. ويقال: وفيكم من يسمع ما يقول المنافقون ويقبلون منه { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ } يعني بالمنافقين، وهذا وعيد لهم. يعني: عليم بعقوبتهم ثم قال عز وجل { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ } يعني: من قبل غزوة تبوك. لأنهم قصدوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل كثرة المؤمنين. ويقال طلبوا إظهار الشرك قبل غزوة تبوك { وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ } يعني: احتالوا في هلاكك من كل وجه. ويقال: قلبوا لك الأمور ظهراً لبطن، فانظر كيف يصنعون { حَتَّىٰ جَاء ٱلْحَقُّ } يعني: كثر المسلمون، ويقال حتى جاء الحق يعني: الإسلام { وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني: ظهر دين الله الإسلام { وَهُمْ كَـٰرِهُونَ } يعني: كارهون الإسلام. قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لّي } يعني جد بن قيس كان من المنافقين، حرضه النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخروج إلى الغزو فقال يا رسول الله: إن قومي يعلمون حرصي على النساء فأخشى إني لو خرجت وقعت في الإِثم ولا تفتني ببنات الأصفر. وكان الأصفر رجلاً من الحبش ملك ناحية من الروم فتزوج رومية فولدت له بنات اجتمع فيهم سواد الحبش وبياض الروم، فكن فتنة فقال جد بن قيس لا تفتني ببنات الأصفر فإني أخاف أن لا أصبر وأضع يدي على الحرام فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقعود. فنزل { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لّي } يعني من المنافقين من يقول ائذن لي في التخلف { وَلاَ تَفْتِنّي } يعني: ولا توقعني في الفتنة ثم قال الله تعالى: { أَلا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } يعني: في الكفر والنفاق وقعوا { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ } يعني: جعلت جهنم للكافرين، وهو جد بن قيس ومن تابعه قوله تعالى: { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ... }