الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }

{ قُلْ إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } يعني قومكم. قرأ عاصم في رواية أبي بكر وَعَشِيرَاتُكُمْ بالألف بلفظ الجماعة وقرأ الباقون بغير ألف { وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } يعني اكتسبتموها بمكة { وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } يعني تخشون أن تبقى عليكم فلا تنفق { وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَا } يعني منازلكم التي بمكة تعجبكم الإقامة فيها { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } يعني أن كان هذه الأشياء أحب إليكم من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة - { وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ } يعني في طاعة الله تعالى { فَتَرَبَّصُواْ } يعني: فانتظروا { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } يعني فتح مكة، ويقال الموت والقيامة. وقال الضحاك. حتى يأتي الله بأمره يعني: حتى يأمر الله بقتال آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وعشيرتكم. ثم قال { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } وهذا وعيد من الله تعالى للذين لم يهاجروا. ويقال من أول سورة براءة إلى قولهوَنُفَصِّلُ ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [التوبة: 11] نزلت بعد فتح مكة، ثم من قولهوَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَـٰنَهُم } [التوبة: 12] إلى ههنا كان نزل قبل فتح مكة، فوضع ههنا، ثم ما بعد هذا نزل بعد فتح مكة وهو قوله تعالى { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } وذلك أنه لما نزل قوله تعالى:فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } [التوبة:5] فأمرهم الله تعالى بأن يقاتلوا ويتوكلوا على الله ويطلبوا النصرة منه ولا يعتمدوا على الكثرة والقلة لأن النصرة من الله تعالى. فذلك قوله تعالى: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } يعني: نصركم الله في مواطن كثيرة (وهو يوم بدر ويوم بني قريظة ويوم خيبر ويوم فتح مكة) وخاصة يَوْمَ حُنَيْنٍ. { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } يعني: جماعتكم { فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } يعني: عن قضاء الله تعالى كثرتكم شيئاً، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى حنين في اثني عشر ألفاً وعشرة آلاف التي خرجت معه من المدينة إلى فتح مكة، وخرج معه ألفان من أهل مكة، فقال رجل من المسلمين يقال له سلمة بن سلام لن نغلب اليوم من قلة، وقد كان فتح مكة في شهر رمضان وبقيت عليه أيام من رمضان، فمكث حتى دخل شوال، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من بني سليم عيناً له يقال له عبد الله بن أبي حدرد، فأتى حنيناً، وكان بينهم يسمع أخبارهم، فسمع من مالك بن عوف أمير القوم يقول لأصحابه أنتم اليوم أربعة آلاف رجل فإذا لقيتم العدو فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا جفون سيوفكم، فوالله لا تضربون بأربعة آلاف سيف شيئاً إلا أفرج لكم، وكان مالك بن عوف على هوازن.

السابقالتالي
2 3