الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } * { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } يعني اخشوا الله ولا تعصوه، يعني من أسلم من أهل الكتاب { وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } قال الضحاك يعني مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو بإخلاص ونية. ويقال هذا الخطاب (للمنافقين) الذين كانوا يعتذرون بالكذب، ومعناه يا أيها الذين آمنوا في العلانية اتقوا الله وكونوا مع الثلاثة الذين صدقوا. وروي عن كعب بن مالك أنه قال فينا نزلت { وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } وقال الكلبي يعني الأنصار والمهاجرين الذين صلوا القبلتين. وقال مقاتل الذين وصفهم الله تعالى في آية أخرىإِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [النور: 62] الآية. ويقال مع الصادقين في إيمانهم يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً رضوان الله عليهم. حدثنا الفقيه (أبو جعفر) قال: حدثنا أبو بكر القاضي. حدثنا أحمد بن جرير. حدثنا قتيبة حدثنا عبد الرحمن (البخاري) عن جويبر عن الضحاك في قوله { وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } قال أمروا أن يكونوا مع أبي بكر وعمر وأصحابهما، رضي الله عنهم قوله تعالى: { مَا كَانَ لاهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ ٱلأعْرَابِ } يعني المنافقين الذين بالمدينة وحوالي المدينة { أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } في الغزو { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } يعني لا ينبغي أن يكونوا بأنفسهم أبر وأشفق من نفس محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن يتركوا محبته، ويقال ولا يرغبوا بأنفسهم يعني بإبقاء أنفسهم على إبقاء نفسه. يعني ينبغي لهم أن يتبعوه حينما يريد { ذٰلِكَ } يعني النهي عن التخلف. ويقال ذلك التحضيض الذي حضهم عليه { بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ } في غزوهم { ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ } يعني ولا تعب ولا مشقة في أجسادهم، ثم قال { وَلاَ مَخْمَصَةٌ } يعني مجاعة { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَئُُونَ مَوْطِئًا } يعني أرضاً وموضعاً من سهل أو جبل { يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ } يعني يحزن الكفار { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلاً } يعني لا يصيبون من عدو قتلاً أو غارة أو هزيمة { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } يعني ثواب عمل صالح. يعني يضاعف حسناتهم على حسنات القاعدين { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } يقول لا يبطل ثواب المجاهدين. وفي هذه الآية دليل أن ما أصاب الإنسان من الشدة يكتب له بذلك ثواب. وقال بعضهم لا يكتب له بالشدة ثواب ولكن يحط عنه الخطيئة. وقال بعضهم لا يكون بالمشقة أجر ولكن بالصبر على ذلك. ثم قال عز وجل { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً } في الجهاد { صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } يعني قليلاً ولا كثيراً { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا } من الأودية مقبلين إلى العدو أو مدبرين { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } يعني كتب لهم ثواب { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يقول ليجزيهم بأعمالهم. ويقال يجزيهم أحسن من أعمالهم، لأنه يعطي بحسنة واحدة عشرة إلى سبعمائة إلى ما لا يدرك حسابه. ويقال ليجزيهم بأحسن أعمالهم ويصير سائر أعمالهم فضلاً.