الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله { وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلّفُواْ } يعني وتاب على الثلاثة وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال ابن أمية. قال الفقيه: سمعت أبي رحمه الله يذكر بإسناده عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدراً، فلم يعاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحداً تخلف عن بدر، إنَّما خرج يريد العير فخرجت قريش معينين لعيرهم فالتقوا على غير موعد. ثم لم أتخلف عن غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها. فأذن للناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوتهم وذلك حين طابت الظلال وطابت الثمار. وكان كل ما أراد غزوة إلا ورى بغيرها. وكان يقول الحرب خدعة. فأراد في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبتهم. وأنا أيسر ما كنت، قد جمعت راحلتين. وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد وخفة الحال وأنا في ذلك أصبو إلى الظلال وطيب الثمار فلم أزل كذلك حتى قام النبي - صلى الله عليه وسلم - غازياً، بالغداة وذلك يوم الخميس وكان يحب أن يخرج الناس يوم الخميس فأصبح غادياً، فقلت انطلق غادياً إلى السوق غداً (فأشتري) ثم ألحق بهم. فانطلقت إلى السوق من الغد فعسر على بعض شأني فرجعت فقلت أرجع غداً إن شاء الله فألحق بهم، فعسر علي بعض شأني فلم أزل كذلك حتى التبس بي الريب وتخلفت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أمشي في الأسواق وأطوف في المدينة فيحزنني أن لا أرى أحداً تخلف إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، وكان الجميع من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعاً وثمانين رجلاً ولم يذكرني النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك فلما بلغ تبوك قال: " فما فعل كعب بن مالك " فقال رجل من قومي خلَّفَه يا رسول الله حسن برديه والنظر إلى عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت (يا هذا) والله يا نبي الله ما نعلم منه إلاَّ خيراً. فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك وقفل ودنا من المدينة جعلت أتذكر بماذا أخرج من سخطة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل ذي رأي من أهلي حتى إذا أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - راح عني الباطل وعرفت ألا أنجو (إلاَّ بالصدق ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى فصلى في المسجد ركعتين وكان إذا جاء من السفر فعل ذلك فدخل المسجد وصلى ركعتين ثم جلس فجعل يأتيه من تخلف فيحلفون له ويعتذرون إليه ويستغفر لهم ويقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4