الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ }

{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا } يعني بنوا مسجداً مضرة للمسلمين. وقال القتبي يعني مضارة ليضاروا به مخالفيهم ليدخلوا عليهم المضرة { وَكُفْراً } يعني وإظهاراً للكفر { وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قرأ نافع وابن عامر { ٱلَّذِينَ } بغير واو. وقرأ الباقون بالواو ومعناهما واحد. إلا أن الواو للعطف. نزلت الآية في سبعة عشر من المنافقين من بني غنم بن عوف قالوا تعالوا نبني مسجداً يكون فيه متحدثنا ومجمع رأينا. فانطلقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألوه أن يأذن لهم في بناء المسجد وقالوا قد بعد علينا المسير إلى الصلاة معك فتفوتنا الصلاة فأذن لنا أن نبني مسجداً لذوي العلة والليلة المطيرة. فأذن لهم. وكانوا ينظرون رجوع أبي عامر الراهب من الشام. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه فاسقاً. وقال: " لا تقولوا راهباً ولكن قولوا فاسق " وقد كان آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين ثم رجع عن الإسلام فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات كافراً. فلما ظهر أمرهم ونفاقهم جاؤوا يحلفون { إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } أي أردنا ببناء المسجد فنزل { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا }. يعني بنوا المسجد للضرار والكفر وللتفريق بين المؤمنين لكي يصلي بعضهم في مسجد قباء وبعضهم في مسجدهم وليجتمع الناس إلى مسجدهم ويتفرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { وَإِرْصَادًا لّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ } يعني انتظاراً لمن هو كافر بالله ورسوله من قبل بناء المسجد أن يقدم عليهم من قبل الشام، وهو أبو عامر الراهب { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: ما أردنا ببناء المسجد إلاّ صواباً لكيلا تفوتنا الصلاة بالجماعة ولكي يرجع أبو عامر فيسلم { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فيما حلفوا، وإنَّما اجتمعوا فيه لإظهار النفاق والكفر ثم قال { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } يعني لا تصل فيه أبداً. لأنهم طلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي ويصلي فيه لكي يتبرك بصلاته فيه فنهاه الله عن ذلك ونزل { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } ثم قال { لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } يعني المسجد الذي بني على التوحيد من أول يوم. قال الأخفش: بني لوجه الله تعالى منذ أول يوم. ويقال بني للذكر والتكبير والتهليل وإظهار الإسلام وقهر الشرك من أول يوم بني. ثم قال { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } يعني أولى وأجدر أن تصلي فيه ثم قال { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } يعني الاستنجاء بالماء. ويقال يحبون أن يتطهروا يعني يطهروا أنفسهم من الذنوب وذلك أن ناساً من أهل قباء كانوا إذا أتوا الخلاء استنجوا بالماء وهم أول من فعل ذلك واقتدى بهم من بعدهم.

السابقالتالي
2