الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } * { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ } على عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ { ليصدوا عن سبيل الله } يعني ليصرفوا الناس عن دين الله وطاعته] قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت الآية في المطعمين يوم بدر، وهم الذين كانوا يطعمون أهل بدر حين خرجوا في طريقهم. قال الله تعالى { فَسَيُنفِقُونَهَا } وكانوا ثلاثة عشر رجلاً أطعموا الناس الطعام فكان على كل رجل منهم يوماً، منهم أبو جهل وأخوه الحارث ابنا هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وغيرهم. يقول الله تبارك وتعالى " فَسَيُنفِقُونَهَا " { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } ، يعني تكون نفقاتهم عليهم حسرة وندامة. لأنه تكون لهم زيادة العذاب فتكوى بها جنوبهم وظهورهم. وقال مجاهد: هو نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد. وقال الحكم: أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية ذهباً { ثُمَّ يُغْلَبُونَ } يعني يهزمون ولا تنفعهم نفقتهم شيئاً. { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } يعني إن القتل والهزيمة لم تكن كفارة لذنوبهم فيحشرون في الآخرة إلى جهنم. ثم قال تعالى { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } يعني الخبيث من العمل والطيب من العمل { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } قول الكلبي. وقال مقاتل: ليميز الله الكافرين من المؤمنين ويجعل في الآخرة الخبيثة أنفسهم ونفقاتهم وأقوالهم فيركم، بعضه على بعض جميعاً فيجعله في جهنم. ويقال ليميز الله الخبيث من الطيب بين نفقة المؤمنين ونفقة المشركين فيقبل نفقة المؤمنين ويثيبهم على ذلك ويجعل نفقة الكفار وبالاً عليهم ويجعل ذلك سبباً لعقوبتهم فتكوى بها جباههم. وقال القتبي فيركمه أي يجعله ركاماً بعضه على بعض ثم قال { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } أي: المغبونين في العقوبة.

قرأ حمزة والكسائي لِيُمَيِّزَ اللَّهُ بضم الياء مع التشديد والباقون لِيَمِيزَ بالنصب مع التخفيف. ومعناهما واحد. مَازَ يُميِزُ وَمَيَّزَ يُمَيِّزُ. قوله تعالى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني أبا سفيان وأصحابه ومن كان في مثل حالهم إلى يوم القيامة { إِنْ يَنْتَهُواْ } عن الشرك وعن قتال محمد وعن المؤمنين { يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } يعني يتجاوز عنهم ما سلف من ذنوبهم وشركهم { وَإِن يَعُودُواْ } إلى قتال محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ ٱلأوَّلِينَ } بنصرة أوليائه وقهر أعدائه، ويقال يعني القتل. بحذرهم بالعقوبة لكيلا يعودوا فيصيبهم مثل ما أصابهم. وقال الكلبي: فقد مضت سنة الأولين أن ينصر الله أنبياءه ومن آمن معهم كقولهإِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } [غافر: 51]. ثم حث المؤمنين على قتال الكفار فقال تعالى { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } يعني لا يكون الشرك بمكة، ويقال حتى لا يتخذوا شركاء ويوحدوا ربهم { وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ } يعني يظهر دين الإسلام ولا يكون دين غير دين الإسلام { فَإِنِ انْتَهَوْا } عن الشرك وعن عبادة الأوثان وقتال المسلمين { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فينبئهم بأعمالهم { وَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني أبوا وأعرضوا عن الإيمان يا معشر المسلمين { فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ } يعني حافظكم وناصركم. ثم قال { نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } يعني الحفيظ والمانع. قوله تعالى: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا... }