الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } * { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً }

قوله تعالى: { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ } يعني: قد أتى على أدم { حِينٌ مّنَ ٱلدَّهْرِ } يعني: أربعين سنة { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } يعني: لم يدر ما اسمه ولا ما يراد به إلا الله تعالى وذلك أن الله تعالى لما أراد أن يخلق آدم أمر جبريل عليه السلام أن يجمع التراب فلم يقدر ثم أمر إسرافيل فلم يقدر ثم أمر عزرائيل عليهم السلام فجمع التراب من وجه الأرض فصار التراب طيناً ثم صار صلصالاً وكان على حاله أربعين سنة قبل أن ينفخ فيه الروح، وروى معمر عن قتادة قال كان آدم آخر ما خلق من الخلق خلق كل شيء قبل آدم ثم قال: { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ } يعني: مختلطاً ماء الرجل وماء المرأة لا يكون الولد إلا منهما جميعاً ماء الرجل أبيض ثخين، وماء المرأة أصفر رقيق " نبتليه " يعني لكي نبتليه بالخير والشر { فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً } يعني: جعلنا له سمعاً يسمع به الهدى وبصراً يبصر به الهدى، وقال مقاتل في الآية تقديم يعني جعلناه سميعاً بصيراً يعني جعلنا له سمعاً لنبتليه يعني: لنختبره قوله عز وجل: { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ } يعني: بينا له وعرفناه طريق الخير وطريق الكفر ويقال سبيل السعادة والشقاوة { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } يعني: إما أن يكون موحداً وإما أن يكون جاحداً لوحدانية الله تعالى ويقال إما شاكراً لنعمه وإما كفوراً لنعمه، ثم بين ما أعد للكافرين فقال: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ } يعني: في الآخرة { سَلَـٰسِلاً وَأَغْلَـٰلاً } يعني: هيئنا لهم أغلالاً تغل بها أيمانهم إلى أعناقهم { وَسَعِيراً } يعني: وقوداً ثم بين ما أعد للشاكرين فقال { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ } يعني: الصادقين في إيمانهم { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } يعني: من خمر { كَانَ مِزَاجُهَا كَـٰفُوراً } يعني: على برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل ليس ككافور الدنيا ولا كمسكها ولكنه وصف بها حتى يهتدى به القلوب أو يقال الكافور اسم عين في الجنة يمزج بها الخمر { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } يعني: عين الكافور يشرب بها أولياء الله تعالى في الجنة { يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً } يعني: يمزجونها تمزيجاً وقال ابن عباس يفجرونها تفجيراً في قصورهم وديارهم وذلك أن عين الكافور يشرب بها المقروبون صرفاً غير ممزوج ولغيرهم ممزوجاً ويقال يفجرونها تفجيراً يعني يفجرون تلك العين في الجنة كيف أحبوا كما يفجر الرجل النهر الذي يكون له في الدنيا ها هنا وها هنا حيث شاء ثم بين أفعالهم في الدنيا فقال { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } يعني: يتمون الفرائض ويقال: أوفوا بالنذر { وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً } وهو يوم القيامة { كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } يعني: عذابه فاشياً ظاهراً وهو أن السموات قد انشقت وتناثرت الكواكب وفزعت الملائكة وفارت المياه ثم قال عز وجل: { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبّهِ } يعني: على قلته وشهوته وحاجته { مِسْكِيناً } وهو الطائف بالأبواب { وَيَتِيماً وَأَسِيراً } يعني: من أسر من دار الشرك ويقال أهل اليمن وذكر أن الآية نزلت في شأن علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما وكانا صائمين فجاءهما سائل وكان عندهما قوت يومهما فأعطيا السائل بعض ذلك الطعام ثم جاءهما يتيم فأعطياه من ذلك الطعام ثم جاءهما أسير فأعطياه الباقي فمدحهما الله تعالى لذلك، ويقال: نزلت في شأن رجل من الأنصار ثم قال عز وجل: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ } يعني: ينوون بأدائهم ويضمرون في قلوبهم وجه الله تعالى ويقولون { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً } يعني: لا نريد منكم مكافأة في الدنيا ولا ثواب في الآخرة { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } يعني: العبوس الذي تعبس فيه الوجوه من هول ذلك اليوم والقنطرير الشديد العبوس، ويقال عبوساً أي يوم يعبس فيه الوجوه فجعل عبوساً من صفة اليوم كما قال

السابقالتالي
2