الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } * { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ }

ثم قال تعالى: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً } يعني أرسلنا إلى مدين نبيهم شعيباً، ومدين هو آل مدين. وكان مدين إبن إبراهيم خليل الرحمن تزوج ريثاء ابنة لوط فولدت آل مدين فتوالدوا وكثروا ثم صار هو اسماً للمدينة فسميت المدينة مدين وسمي أولئك القوم مدين فكفروا بالله تعالى ونقصوا المكيال والميزان في البيع وأظهروا الخيانة فبعث الله تعالى إليهم شعيباً. وقال الضحاك: كان شعيب أفضلهم نسباً وأصدقهم حديثاً وأحسنهم وجهاً، ويقال إنه بكى من خشية الله تعالى حتى ذهب بصره فصار أعمى فدعا قومه إلى الله تعالى و { قَالَ يَـا قَوْمٌ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي: وحدوه وأطيعوه { مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } قال بعضهم مجيء شعيب النبي - عليه السلام إليهم آية ولم يكن لشعيب علامة سوى مجيئه وإخباره أن الله تعالى واحد وقال بعضهم كانت له علامة لأن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا وقد جعل له علامة ليظهر تصديق مقالته إلا أن الله تعالى لم يبين لنا علامته، وقد بين علامة بعض الأنبياء ولم يبين علامة الجميع ثم قال { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أي: أتموا الكيل والميزان بالعدل { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } يقول ولا تنقصوا الناس حقوقهم في البيع والشراء { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } يعني لا تعملوا في الأرض المعاصي بعد ما بين الله تعالى طريق الحق وأمركم بالطاعة { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } يعني وفاء الكيل وترك الفساد في الأرض خير لكم من النقصان والفساد في الأرض إن كنتم مصدقين بما حرم الله تعالى عليكم قوله تعالى { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرٰطٍ تُوعِدُونَ } أي: لا ترصدوا بكل طريق، توعدون أهل الإيمان بالقتل { وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يقول: تمنعون الناس عن دين الإسلام { مَنْ ءامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } يقول تريدون بملة الإسلام زيغاً وغيراً. وروي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله { بِكُلِّ صِرٰطٍ تُوعِدُونَ } قال بكل سبيل، حتى تصدوا أهلها عنها وتبغونها عوجاً. قال وتلتمسون بها الزيغ. ويقال معناه لا تقعدوا على كل طريق تخوفون الناس، وتخوفون أهل الإيمان بشعيب عليه السلام. ثم قال { وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } أي: كنتم قليلاً في العدد فكثَّر عددكم. ويقال كنتم فقراء فأغناكم وكثر أموالكم. { وَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي: كيف صار آخر أمر المكذبين بالرسل. يعني الذين قبلهم، قوم نوح وقوم عاد وقوم هود وقوم صالح. ثم قال { وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ ءامَنُواْ بِٱلَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ } يعني إن كان جماعة منكم صدقوا بي { وَطَائِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ } بي أي: لم يصدقوا { فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا } يعني حتى تنظروا عاقبة المؤمنين أفضل أم عاقبة الكافرين فذلك قوله حتى يحكم الله بيننا.

السابقالتالي
2