قوله تعالى: { الۤمۤصۤ } قال ابن عباس يعني أنا الله أعلم وأفصل، معناه أعلم بأمور الخلق وأفصل الأحكام والأمور والمقادير، وليس لي شريك في تدبير الخلق: ويقال: معناه أنا الله المصور ويقال: أنا الله الناصر، ويقال: أنا الله الصادق. وروى معمر بن قتادة قال: إنه إسم من أسماء القرآن. ويقال هو قسم. { كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } يعني أن هذا الكتاب أُنزل إليك يا محمد { فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ } أي فلا يقعن في قلبك شك منه، من القرآن. أنه من الله عز وجل فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به غيره. كقوله:{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ } [يونس: 94]. ويقال { فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ } أي فلا يضيقن صدرك بتكذيبهم إياك كقوله عز وجل:{ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 3] والحرج في اللغة هو الضيق. ثم قال: { لِتُنذِرَ بِهِ } على معنى التقديم يعني كتاب أنزلناه إليك لتنذر به، أي لتخوف بالقرآن أهل مكة { وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي. وعظة للمؤمنين الذين يتبعونك ثم قال: { ٱتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ } أي صدقوا واعملوا بما أنزل على نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - من القرآن ويقرؤه عليكم. { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } أي ولا تتخذوا من دون الله أرباباً ولا تعبدوا غيره. ثم أخبر عنهم فقال { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } " ما " صلة في الكلام، ومعناه قليلاً تتعظون يعني إنهم لا يتعظون به شيئاً. قرأ ابن عامر يَتَذَكَّرُونَ على لفظ المغايبة بالياء وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تَذَّكَّرُونَ بالتاء على معنى المخاطبة بتشديد الذال والكاف لأن أصله تتذكرون، فأدغم إحدى التاءين في الذال. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص تَذَكَّرون بتخفيف الذال فأسقط التشديد للتخفيف. ثم خوفهم فقال { وَكَم مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا } معناه وكم من أهل قرية وعظناهم فلم يتعظوا فأهلكناهم { فَجَاءهَا بَأْسُنَا } أي جاءها عذابنا بعد التكذيب { بَيَاتًا } أي ليلاً، سمي الليل بياتاً لأنه يبات فيه { أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } عند القيلولة فإن لم تتعظوا أنتم يأتيكم العذاب ليلاً أو نهاراً كما أتاهم. ثم أخبر عن حال من أتاهم العذاب فقال { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلا أَن قَالُواْ } أي لم يكن قولهم حين جاءهم العذاب ولم تكن لهم حيلة إلا أنهم تضرعو قالوا { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي ظلمنا أنفسنا بترك طاعة ربنا من التوحيد. يعني إن قولهم بعدما جاءهم العذاب. يعني الهلاك لم ينفعهم. فاعتبروا بهم فإنكم إذا جاءكم العذاب لا ينفعكم التضرع. ثم أخبر عن حال يوم القيامة فقال { فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } يعني الأمم لنسألنهم هل بلغكم الرسل ما أرسلوا به إليكم وماذا أجبتم الرسل { وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } عن تبليغ الرسالة وهذا كقوله عز وجل{ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } [الأحزاب:8] ثم قال تعالى { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ } أي فلنخبرنهم بما عملوا في الدنيا ببيان وعلم منا { وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } عَمّا بلغت الرسل وعما ردَّ عليهم قومهم، ومعناه وما كنا نسألهم لنعلم ذلك ولكن نسألهم حجةً عليهم.