الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } * { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

قوله تعالى: { يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } يقول خلقنا لكم الثياب { يُوٰرِى سَوْءاتِكُمْ } يعني يستر عوراتكم، ويقال معناه أنزلنا عليكم المطر ينبت لكم القطن والكتَّان لباساً لكم { وَرِيشًا } قرأ الحسن البصري ورياشاً بالألف. وقرأ غيره وريشاً بغير ألف. وقال القتبي: الريش والرياش ما ظهر من اللباس، وريش الطائر ما ستره الله به، ويقال الرياش المال والمعاش.

قال الفقيه حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبي أمامة عن عوف بن أبي جميلة عن معبد الجهني في قوله { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } قال هو ما تلبسون. ورياشاً قال المعاش { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } هو الحياء { ذٰلِكَ خَيْرٌ } أي: لباس التقوى، وهو الحياء خير من الثياب، لأن الفاجر إنْ كان حسن الثياب فإنه بادي العورة ألا ترى إلى قول الشاعر حيث يقول:
إني كأني أرى من لا حياء له   ولا أمانة وسط القوم عرياناً
وقال القتبي: لباس التقوى أي ما ظهر عليه من السكينة والوقار. والعمل الصالح

كما قال:لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ } [النحل: 112] أي ما ظهر عليهم من سوء آثارهم وتغير حالهم. ويقال لباس التقوى الإيمان ويقال العفة. قرأ نافع والكسائي وابن عامر لِبَاسَ التقوى بالنصب يعني أنزل لباس التقوى ومعناه ستر العورة وقرأ الباقون بالضم (لِبَاسُ) على معنى الابتداء، ويقال فيه مضموم يعني هو لباسُ التقوى. ومعناه ستر العورة، أي: لباسُ المتقين. وقرأ عبد الله بن مسعود ولباس التقوى خير. وقال مجاهد كان أناس من العرب يطوفون حول البيت عراة فنزل قوله تعالى: { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا } يعني من المال ويقال معنى قوله { ذٰلِكَ خَيْرٌ } يعني اللباس خير من تركه، لأنهم كانوا يطوفون عراة قوله { ذٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي: من نعم الله على الناس، ويقال من عجائب الله ودلائله { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي: يتعظون. قوله عز وجل: { يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } يقول لا يضلنكم الشيطان عن طاعتي فيمنعكم من الجنة { كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ } حين تركا طاعتي وعصيا أمري { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءاتِهِمَا } يعني لا يفتننكم الشيطان عن دينكم في أمر الثياب فينزعها عنكم فتبدو عوراتكم كما فعل بأبويكم، نزع عنهما لباسهما وأظهر عورتهما. وقال بعض الحكماء: إن المعصية شؤم تضر بصاحبها فتجعله عرياناً كما فعلت بآدم. { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } يعني كونوا بالحذار منه، فإنه يراكم، هو أي: إبليس وجنوده من الشياطين من حيث لا ترونهم، يعني كونوا على حذر لأنه يجري من بني آدم مجرى الدم، وذكر أن إبليس لما لعن قال رب إنّك باعث إلى بني آدم رسلاً وكتباً.

السابقالتالي
2