الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا } يعني خلقنا لجهنم كثيراً { مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } فإن قيل قد قال في آية أخرى:وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] فأخبر أنه خلق الجن والإنس لعبادته، وها هنا يقول خلقهم لجهنم. قيل له قد خلقهم للأمرين جميعاً، منهم من يصلح لجهنم فخلقه لها، ومنهم من يصلح للعبادة فخلقه لها. ولأن من لا يصلح لشيء لا يخلقه لذلك الشيء. ويقال معنى قوله إلا ليعبدون يعني إلا للأمر والنهي، ويقال: إلا ليعبدون يعني إلا لكي يمكنهم أن يعبدوا وقد بينت لهم الطريق، ويقال في هذه الآية تقديم وتأخير ومعناه ولقد ذرأنا جهنم لكثير من الجن والإنس ثم وصفهم فقال تعالى: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } يعني لا يعقلون بها الحق كما قال في آية أخرىخَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [البقرة:7] ثم قال: { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } يعني الهدى { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } يعني: الهدى ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال: { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَـٰمِ } فشبههم بالأنعام لقلة رغبتهم وتغافلهم عن الحق، يعني إنهم كالأنعام في ذهنهم لا في صورهم لأنه ليس للأنعام إلا الأكل والشرب، فهي تسمع ولا تعقل كذلك الكافر هو غافل عن الأمر والنهي والوعد والوعيد ثم قال: { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } سبيلاً يعني الكفار أخطأ طريقاً من الأنعام، لأن الأنعام إذا عرفت أنها تركت الطريق رجعت إلى الطريق، والكفار لا يرجعون إلى الطريق، ولأن الأنعام تعرف ربها والكفار لا يعرفون ربهم. ويقال لما نزلت هذه الآية أولئك كالأنعام. تضرعت الأنعام إلى ربها فقالت: يا ربنا شبهت الكفار بنا ونحن لا ننكر وحدانيتك. فأعذر الله تعالى الأنعام فقال: { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من الأنعام لأن الأنعام مطيعة لله تعالى والكفار غير مطيعين لله تعالى ثم قال: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ } يعني عن أمر الله تعالى وعما ينفعهم. قال الفقيه أبو الليث حدثنا أبو جعفر. قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عبد الله القاري. قال حدثنا حازم بن يحيى الحلواني قال حدثنا الحسين بن الأسود. قال حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن سنان عن أبي منيب الحمصي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خلق الله الجن ثلاثة أصناف: صنفاً حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنفاً كالريح في الهواء، وصنفاً عليهم الثواب والعقاب، وخلق الله الإنس ثلاثة أصناف. صنفاً كالبهائم وهم الكفار قال: قال الله تعالى: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } إلى قوله: { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } وصنفاً آخر أجسادهم كأجساد بني آدم وأرواحهم كأرواح الشياطين، وصنفاً في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله "

السابقالتالي
2 3