قوله: { قُلْ يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } يعني يا أهل مكة ويقال: هو لجميع الناس { إِنّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } ويقال: إنه أول نداء نادى به في مكة بهذه الآية، وكان من قبل يدعو واحداً واحداً. فلما نزلت هذه الآية أظهر ونادى في الناس يا أيها الناس إنِّي رسول الله إليكم جميعاً من ذلك الرب { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } يعني: لا خالق ولا رازق في السماء ولا في الأرض إلا هو { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } يعني: يحيي الأموات للبعث ويميت الأحياء في الدنيا ويحيي للبعث ثانياً. ويقال يحيي يعني: يخلق الخلق من النطفة ويميتهم عند انقضاء آجالهم. { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } يعني يصدق بالله { وَكَلِمَـٰتِهِ } يعني: القرآن. قال السدي: وَكَلِمَتُهُ يعني صدق بأن عيسى صار مخلوقاً بكلمة الله { وَٱتَّبِعُوهُ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } من الضلالة. قوله { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } يعني جماعة يدعون إلى الحق { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } يعني وبالحق يعملون. وقال بعضهم يعني به مؤمني أهل الكتاب. وهم عبد الله بن سلام وأصحابه. وهذا كما قال في آية أخرى:{ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 113] الآية وقال بعضهم هم قوم من وراء الصين " من أمة موسى " ما وراء رمل عالج. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى البيت المقدس ومعه جبريل. فرفعه إليهم وكلمهم وكلموه فقال لهم جبريل هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا لا. قال فإن هذا محمد النبي الأمي. قالوا يا جبريل وقد بعثه الله تعالى؟ قال: نعم. فآمنوا به وصدقوه وقالوا يا رسول الله إن موسى بن عمران أوصى إلينا أن من أدرك ذلك النبي منكم فليقرأ عليه السلام مني ومنكم ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على موسى ورد عليهم السلام. ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لي أرى بيوتكم مستوية؟ قالوا: لأنا قوم لا يبغي بعضنا على بعض، قال فمالي لا أرى عليها أبواباً؟ قالوا: إنا لا يضر بعضنا بعضاً. قال فمالي لا أراكم تضحكون؟ قالوا ما ضحكنا قط لأن الله تعالى أخبرنا في كتابه أن جهنم عرضها ما بين الخافقين. وقعرها الأرض السفلى. وقد أقسم الله تعالى ليملأنها من الجنة والناس أجمعين. قال: فهل تبكون على الميت؟ قالوا يا رسول الله كيف نبكي على الميت وكلنا ميتون. وهو سبيل لا بد منه. والله أعطانا والله أخذ منا. قال فهل تمرضون؟ قالوا: يا رسول الله إنما يمرض أهل الذنوب والخطايا فأما نحن فمعصومون بدعاء نبي الله موسى عليه السلام. قال فكيف تموتون إذا لم تمرضوا؟ قالوا: إذا استوفى أحدنا رزقه جاءه ملك الموت فقبض روحه فندفنه حيث يموت قال فهل تحزنون إذا ولد لأحدكم جارية قالوا يا رسول الله لا ولكنا نصوم لله تعالى شهراً شكراً فإذا ولد لأحدنا غلام نصوم لله شهرين شكراً لله تعالى. قال فهل فيكم حيات وعقارب؟ قالوا نعم قال كيف تصنعون بهن قالوا: يا رسول الله نمشي عليهن ويمشين علينا ولا نؤذيهن ولا تؤذينا آمنات منا ونحن آمنون منهن. قال فهل لكم ماشية؟ قالوا نعم نجز أصوافها فنتخذ منه الأفنية والأكسية ونأكل من لحومهن الكفاف وكل أهل القرية فيها شرع أي سواء ليس أحد أحق به منا. قال فهل تَزِنُون أو يوزن عليكم؟ قالوا: لا نزن ولا يوزن علينا ولا نكيل ولا يكال علينا ولا نشتري ولا نبيع. قال فمن أين تأكلون؟ قالوا: يا رسول الله نخرج فنزرع ويرسل الله تعالى السماء علينا فينبته ثم نخرج إليه فنحصده ونضعه في أماكن من القرية، فيأخذ أهل القرية منها الكفاف ويدعون ما سواه. قال فهل تجامعون النساء؟ قالوا نعم يا رسول الله لنا بيوت مظلمة وثياب معلومة فإذا أردنا المجامعة لبسنا ثيابنا تلك ودخلنا تلك البيوت لا يرى الرجل عورة امرأته ولا المرأة عورة زوجها. قال: فهل فيكم زنا؟ قالوا يا رسول الله لا فإن فعل ذلك أحد منا لظننا أن الله تعالى يبعث عليه ناراً فيحرقه أو يخسف به الأرض. ولكن إذا كان للرجل منا ابنة طلبها منه رجل فيزوجه إياها إرادة الأجر والعفة. قال فهل تكنزون الذهب والفضة؟ قالوا لا يا رسول الله إنما يكنز الذهب والفضة من لا يثق بالله ومن يرى أن الله تعالى لم يتكفل له برزقه، فأما نحن فلا نكنز الذهب والفضة "