الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

قوله تعالى: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } يعني من بعد انطلاقه إلى الجبل. وذلك أن موسى عليه السلام لما وعد لقومه ثلاثين يوماً فتأخر عن ذلك، قال السامري لقوم موسى إنكم أخذتم الحلي من آل فرعون فعاقبكم الله تعالى بتلك الخيانة ومنع الله عنا موسى. فاجمعوا الحلي الذي أخذتم من آل فرعون حتى نحرقها فلعل الله تعالى يرد علينا موسى، فجمعوا الحلي، وكان السامري صائغاً فجعل الحلي في النار واتخذ { مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } وقد كان رأى جبريل على فرس الحياة. فكلما وضع الفرس حافره (ظهر النبات في موضع حافره) فأخذ كفاً من أثر حافره من التراب وألقى ذلك التراب في العجل فصار العجل من حليهم عجلاً جسداً. قال الزجاج: الجسد هو الذي لا يعقل ولا يميز. إنّما معنى الجسد معنى الجثة فقط وروي عن ابن عباس قال: صار عجلاً له لحم ودم وله خوار يعني صوت مثل صوت العجل ولم يسمع منه إلا صوت واحد. وقال بعضهم سمع منه صوت ولم يسمع منه إلا مثل صوت العجل. وقال بعضهم جعله مشتبكاً فدخل فيه الريح فسمع منه صوت مثل صوت العجل، فقال لقومه هذا إلهكم وإله موسى فاغتر به الجهال من بني إسرائيل وعبدوه قال الله تعالى { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } يعني لا يقدر على أن يكلمهم { وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } يعني لا يرشدهم طريقاً { ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } يعني: كافرين بعبادتهم إياه.

وقرأ حمزة والكسائي من حِلِيِّهم بكسر الحاء. وقرأ الباقون من حُلِيِّهم بضم الحاء. فمن قرأ بالكسر فهو اسم لما يحسن به من الذهب والفضة.

ومن قرأ بالضم فهو جمع الحَلْي، ويقال كلاهما جمع الحَلْي وأصله الضم إلا أن من كسر فلاتباع الكسرة بالكسرة. قوله تعالى: { وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ } يعني: ندموا على ما صنعوا، يقال: سقط في يده إذا ندم وأصله أن الإنسان إذا ندم جعل يده على رأسه { وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ } أي: علموا أنهم قد ضلوا عن الهدى { قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا }.

قرأ حمزة والكسائي لئن لم تَرْحَمْنَا بالتاء على معنى المخاطبة رَبَّنَا بالنصب يعني يا ربنا.

وقرأ الباقون لئن لم يرحمنا رَبُّنا بالياء وضم الباء على معنى الخبر { وَيَغْفِرْ لَنَا } بعد التوبة. عطف على قوله لئن لم يرحمنا ربنا { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } يعني من المغبونين. قوله تعالى: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } يعني: من الجبل { غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } يعني حزيناً. ويقال الأسف في اللغة شدة الغضب ومنه قوله تعالى:فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [الزخرف: 55] ويقال أشد الحزن كقولهيٰأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ } [يوسف: 84] { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي } يعني بعبادة العجل.

السابقالتالي
2