الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قوله تعالى: { وَوٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِينَ لَيْلَةً } قرأ أبو عمرو وَوَعَدْنَا بغير ألف. والباقون بالألف. ومعناهما واحد { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } يعني: ثلاثين من ذي القعدة وعشر من ذي الحجة. ويقال ثلاثين من ذي الحجة وعشر من المحرم، والمناجاة في يوم عاشوراء، وكانت المواعدة ثلاثين يوماً وأمر بأن يصوم ثلاثين يوماً، فلما صام ثلاثين يوماً أنكر خلوف فمه فاستاك بعود خرنوب وقيل بورقة موز. فقالت له الملائكة كنا نجد من فيك ريح المسك فأفسدته بالسواك، فأمر بأن يصوم عشراً أخر فصارت الجملة أربعين يوماً كما قال في آية أخرىوَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [البقرة:51] يعني صارت في الجملة أربعين ولكن مرة ثلاثين يوماً ومرة عشرة { فَتَمَّ مِيقَـٰتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } يعني ميعاد ربه أربعين ليلة يعني ميعاد ربه { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَِخِيهِ هَـٰرُونَ ٱخْلُفْنِي } يعني: قال له قبل انطلاقه إلى الجبل اخلفني { فِي قَوْمِي } أي: كن خليفتي على قومي { وَأَصْلَحَ } يعني: مرهم بالصلاح. ويقال وأصلح بينهم ويقال ارفق لهم { وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي؛ ولا تتبع سبيل أي: طريق العاصين ولا ترضى به واتبع سبيل المطيعين. وقال بعض الحكماء من ها هنا ترك قومه عبادة الله وعبدوا العجل لأنه سلمهم إلى هارون ولم يسلمهم إلى ربهم، ولهذا لم يستخلف النبي بعده وسلم أمر أمته إلى الله تعالى فاختار الله لأمته أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فأصلح بينهم. قوله تعالى { وَلَمَّا جَاء مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا } يعني: لميعادنا لتمام أربعين يوماً، ويقال لميقاتنا أي: للوقت الذي وقّتنا له { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } فسمع موسى كلام الله تعالى بغير وحي فاشتاق إلى رؤيته { قَالَ رَبّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } انظر صار جزماً لأنه جواب الأمر { قَالَ } له ربه { لَن تَرَانِي } يعني إنك لن تراني في الدنيا { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } يعني انظر إلى أعظم جبل بمدين { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } يعني سوف تقدر أن تراني إن استقر الجبل مكانه معناه: كما أن الجبل لا يستقر لرؤيتي فإنك لن تطيق رؤيتي { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } قال الضحاك. ألقى عليه من نوره فاضطرب الجبل من هيبته. يعني من رهبة الله تعالى. وقال القتبي تجلى ربه للجبل. أي ظهر وأظهر من أمره ما شاء. يقال جلوت المرأة والسيف إذا أبرزته من الصدأ وكشف عنه، وجلوت العروس إذا أبرزتها. فلما تجلى ربه للجبل أي: جبل زبير { جَعَلَهُ دَكًّا }. قرأ حمزة والكسائي جعله دكاء بالهمز يعني جعله أرضاً دكاء. وقرأ الباقون دَكّاً بالتنوين يعني دَكَّه دَكّاً قال بعضهم صار الجبل قطعاً فصار على ثمان قطع فوقع ثلاث بمكة وثلاث بالمدينة واثنان بالشام.

السابقالتالي
2