الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } * { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } * { وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } * { قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }

قوله تعالى: { أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ } يعني أو لم يبين. قال القتبي: أصل الهدى الإرشاد كقوله { عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي } يعني يرشدني. ثم يصير الإرشاد لمعان منها إرشاد بيان مثل قوله: { أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ } يعني أو لم يبين لهم ومنها إرشادٌ بمعنى بالدعاء كقولهوَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد: 7] يعني: نبياً يدعوهم وقوله:وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبياء: 73] أي: يدعون الخلق. وقرأ بعضهم أو لم نهد بالنون يعني أو لم نبين لهم الطريق ومن قرأ بالياء معناه أو لم يبين الله للذين يرثون الأرض من بعد أهلها يعني: ينزلون الأرض { مِن بَعْدِ } هلاك { أَهْلِهَا } ويقول: أو نبين لأهل مكة هلاك الأمم الخالية كيف أهلكناهم ولم يقدر مبعودهم على نصرتهم { أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } يعني أهلكناهم بذنوبهم كما أهلكنا من كان قبلهم عند التكذيب ثم قال { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } يعني: نختم على قلوبهم بأعمالهم الخبيثة عقوبة لهم { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } الحق ولا يقبلون المواعظ ثم قال عز وجل { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا } أي: تلك القرى التي أهلكنا أهلها نخبرك في القرآن من حديثها { وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } يعني بالعلامات الواضحة والبراهين القاطعة التي لو اعتبروا بها لاهتدوا { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } يعني: إن أهل مكة لم يصدقوا بما كذب به الأمم الخالية. وقال مجاهد فما كانوا ليؤمنوا بعد العذاب بما كذبوا من قبل، وهذا مثل قوله تعالى:وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28] وقال السدي فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل أي: يوم الميثاق فما كانوا ليؤمنوا في دار الدنيا بما كذبوا من قبل يوم الميثاق وأقروا به وهو قوله:أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] ثم في الدنيا ما وجدناهم على ذلك الإقرار ويقال: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما كذبوا من قبل مجيء الرسل معناه: أن مجيء الرسل لم ينفعهم { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ } يعني: هكذا يختم الله تعالى { عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } مجازاة لكفرهم قوله تعالى: { وَمَا وَجَدْنَا لأَِكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ } " مِنْ " زيادة للصلة يعني: ما وجدنا لأكثرهم وفاء فيما أمروا به. يعني الذين كذبوا من الأمم الخالية ويقال ما وجدنا لأكثرهم من عهد لأنهم أقروا يوم الميثاق ثم نقضوا العهد حيث كفروا. ويقال: ما وجدنا لأكثرهم من عهد أي: قبول العهد الذي عاهدوا على لسان الرسل ثم قال { وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَـٰسِقِينَ } يعني وقد وجدنا أكثرهم لناقضين العهد تاركين لما أمروا به. قوله تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ } يعني أرسلنا من بعد الرسل الذين ذكرهم في هذه السورة ويقال ثم بعثنا من بعد هلاكهم موسى وهو موسى بن عمران { بِـآيَـٰتِنَا } يعني: اليد البيضاء والعصا { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } وهو ملك مصر واسمه الوليد بن مصعب وروي عن وهب بن منبه أنه قال كان فرعون في وقت يوسف فعاش إلى وقت موسى عليهما السلام فبعث الله تعالى إليه موسى ليأخذ عليه الحجة وأنكر عليه ذلك عامة المفسرين وقالوا هو كان غيره وكان جباراً ظهر بمصر واستولى عليها وأرسل الله تعالى إليه موسى فذلك قوله تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـآيَـٰتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيِهِ } يعني جنوده وأتباعه { فَظَلَمُواْ بِهَا } يعني فجحدوا بالآيات { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } يعني كيف صار آخر أمر المشركين وقال ابن عباس رضي الله عنهما أول الآيات العصا فضرب بها موسى باب فرعون ففزع منها فرعون فشاب رأسه فاستحيا فخضب بالسواد، فأول من خضب بالسواد فرعون، قال ابن عباس كان طول العصا عشرة أذرع على طول موسى وكانت من آس الجنة يضرب بها الأرض فتخرج النبات فلما دخل عليه مع هارون { وَقَالَ } له { مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } إليك قال له فرعون كذبت قال موسى { حَقِيقٌ عَلَىَّ أَنْ لا أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } قرأ نافع حقيق علي بالتشديد.

السابقالتالي
2 3 4