الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

قوله تعالى: { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ } أي له الملك الدائم الذي لا يزول يعني: يحمده المؤمنون في الدنيا وفي الجنة كما قال { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } في الأولى والآخِرةِ ويقال له الحمد يعني: هو المحمود في شأنه وهو أهل أن يحمد لأن الخلق كلهم في نعمته فالواجب عليهم أن يحمدوه ثم قال { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } يعني: قادر على ما يشاء { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ } يعني: يخلقكم من نفس واحدة { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } يعني: منكم من يصير كافراً، ومنكم من يصير أهلاً للإيمان، ويؤمن بتوفيق الله تعالى، ويقال منكم من خلقه كافراً ومنكم من خلقه مؤمناً، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى " وإلى هذا ذهب أهل الجبر، ويقال فمنكم كافر يعني: كافر بأن الله تعالى خلقه وهو كقوله:قُتِلَ ٱلإِنسَـٰنُ مَآ أَكْفَرَه مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ } [عبس:17، 18] وكقولهأَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } [الكهف: 37]، ويقال (فمنكم كافر) يعني كافراً في السر وهم المنافقون (ومنكم مؤمن) وهم المخلصون ويقال: هذا الخطاب لجميع الخلق، ومعناه: هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالله وهم المشركون ومنكم مؤمن وهم المؤمنون يعني: استويتم في خلق الله إياكم واختلفتم في أحوالكم فمنكم من آمن بالله ومنكم من كفر ثم قال { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يعني: عليماً بما تعملون من الخير والشر ثم قال عز وجل: { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ } يعني: بالحق والحجة والثواب والعقاب { وَصَوَّرَكُمْ } يعني: خلقكم { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } يعني: خلقكم على أجمل صورة وهذا كقولهلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِىۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4]، وكقولهوَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ } [الإسراء: 70] ثم قال { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يعني: إليه المرجع في الآخرة فهذا التهديد يعني: كونوا على الحذر لأن مرجعكم إليه ثم قال { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعني: من كل موجود { وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } يعني: ما تخفون وما تضمرون في قلوبكم وما تظهرون وتعلنون بألسنتكم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يعني: عليماً بسرائركم ثم قال الله عز وجل: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به: التوبيخ والتقريع يعني: قد أتاكم خبر الذين كفروا من قبلكم { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } يعني: أصابتهم عقوبة ذنبهم في الدنيا ثم أخبر أن ما أصابهم في الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم فقال: { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة ثم بين السبب الذي أصابهم به العذاب فقال: { ذٰلِكَ } العذاب { بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } يعني: بالأمر والنهي، ويقال بالبينان يعني: بالدلائل والحجج { فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } يعني آدمياً مثلنا يرشدنا ويأتينا بدين غير دين آبائنا { فَكَفَرُواْ } يعني: جحدوا بالرسل والكتاب { وَتَوَلَّواْ } يعني: أعرضوا عن الإيمان { وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } تعالى عن إيمانهم { وَٱللَّهُ غَنِىٌّ حَمِيدٌ } عن إيمان العباد، حميد في فعاله يقبل اليسير، ويعطي الجزيل.