{ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءايَةٍ مِّنْ ءايَـٰتِ رَبّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } ولم يتفكروا فيها ليعتبروا في توحيد الله تعالى. وذلك أن مشركي مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم علامة وقالوا: إنا نريد أن تدعو لينشق القمر نصفين، لنؤمن بك وبربك ونصدقك فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانشق القمر شقتين. وذهب أحد النصفين إلى جانب حراء والآخر إلى جانب آخر وهم ينظرون إليه. وقال ابن مسعود: أنا رأيت حراء بين فلقتي القمر. فأعرضوا عنه فلم يؤمنوا وقالوا هذا سحر مبين فنزلت{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ، وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ } [القمر: 1،2] ونزلت هذه الآية: { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءايَةٍ مِّنْ ءايَـٰتِ رَبّهِمْ } يعني انشقاق القمر { إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } ، يقول الله تعالى: { فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ } يعني بالقرآن حين جاءهم به محمد - صلى الله عليه وسلم - واستهزؤوا بالقرآن. بأنه ليس من الله تعالى { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ } يعني سيعلمون جزاء تكذيبهم واستهزائهم بالقرآن بأنه ليس من الله تعالى. ويقال: يأتيهم أخبار { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } من العذاب حين رأوها معاينة. فهذا وعيد لهم أنه يصل إليهم العذاب إما في الدنيا وإما في الآخرة. ثم وعظهم ليخافوا ويرجعوا فقال: { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } يعني من قبل كفار مكة { مَّكَّنَّـٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني مكناهم وأعطيناهم من المال والولد { مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ } يا أهل مكة { وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً } يعني المطر متتابعاً كلما احتاجوا إليه { وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَـٰرَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } يعني عذبناهم { بِذُنُوبِهِمْ } وبتكذيبهم رسلهم { وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ } يعني وجعلنا من بعد هلاكهم { قَرْناً آخَرِينَ } قال الزجاج: القرن أهل كل [مدة] فيها نبي، أو فيها طبقة من أهل العلم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خير القرون أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ".