قوله تعالى: { ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ } يعني التوراة، ويقال، الألواح التي كتبت عليها حين انطلق إلى الجبل. ويقال: معناه ثم أتل عليكم كما قال الله تعالى: { ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ } ويقال: ثم بمعنى الواو، يعني وآتينا موسى الكتاب. { تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِي أَحْسَنَ } قال القتبي: أي تماماً على المحسنين كما يقول: ثلث مالي لمن غزا، أي للغزاة، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون، وعلى بمعنى اللام كما نقول في الكلام أتم الله عليه النعمة، بمعنى أتم له، قال: ومعنى الآية والله أعلم وآتينا موسى الكتاب تماماً على أحسن من العلم والحكمة أي مع ما كان له من العلم وكتب المتقدمين أعطيناه زيادة على ذلك، ويكون " الذي " بمعنى " ما " قال: ومعنى آخر: آتينا موسى الكتاب تتميماً منا للمحسنين يعني الأنبياء والمؤمنين { وَتَفْصِيلاً } منا { لِّكُلِّ شَيْءٍ } يعني بياناً لكل شيء. قال: ويجوز معنى آخر، وآتينا موسى الكتاب إتماماً منا للإحسان على من أحسن تفصيلاً لكل شيء يعني بياناً لكل شيء { وَهَدَىً } من الضلالة { وَرَحْمَةً } يعني ونعمة ورحمة من العذاب { لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبّهِمْ يُؤْمِنُونَ } يعني لكي يصدقوا بالبعث. ثم قال: { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } يعني القرآن فيه بركة لمن آمن به وفيه مغفرة للذنوب { فَٱتَّبَعُوهُ } يعني اقتدوا به ويقال إعملوا بما فيه من الأمر والنهي { وَٱتَّقَوْاْ } يعني واجتنبوا ولا تتخذوا إماماً غير القرآن { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يعني لكي تُرْحَموا ولا تُعَذَّبوا. قوله تعالى: { أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ ٱلْكِتَـٰبُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } يعني أنزلنا هذا القرآن لكي لا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا يعني اليهود والنصارى، ويقال أن تقولوا يعني لكراهة (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) وذلك أن كفار مكة قالوا: قاتل الله اليهود، كيف كذبوا أنبياءهم، والله لو جاءنا نذير وكتاب لكنا أهدى منهم فأنزل الله القرآن حجة عليهم ثم قال: { وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَـٰفِلِينَ } يعني عن قراءتهم الكتاب لغافلين عما فيه. { أَوْ تَقُولُواْ } يعني لكي لا تقولوا: { لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَـٰبُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } يعني أصوب ديناً منهم { فَقَدْ جَاءكُمْ بَيّنَةٌ مِّن رَّبّكُمْ } يعني حجة من ربكم وهو محمد -عليه السلام - والقرآن وإنما قال (جاءكم) ولم يقل (جاءتكم) لأنه انصرف إلى المعنى يعني البيان ولأن الفعل مقدم { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } بمعنى هدى من الضلالة ورحمة من العذاب. ويقال: قد جاءكم ما فيه من البيان وقطع الشبهات عنكم. ثم قال: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني لا أحد أظلم وأشد في كفره ممن كذب بآيات الله تعالى { وَصَدَفَ عَنْهَا } يعني أعرض عن الإيمان بها { سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ } يعني يعرضون { عَنْ آيَـٰتِنَا سُوءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } أي شدة العذاب بما كانوا يعرضون عن الآيات.