الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ } * { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

قوله تعالى: { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ } وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كانوا يسمون لله جزءاً من الحرث ولأوثانهم جزءاً فما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه وما ذهبت به الريح من الجزء الذي سموه لله إلى جزء الأصنام تركوه، وقالوا: إن الله غني عن هذا. وقال السدي: ما خرج من نصيب الأصنام: أنفقوه عليها، وما خرج من نصيب الله تصدقوا به فإذا هلك الذي لشركائهم وكثر الذي لله قالوا: ليس لآلهتنا بد من النفقة فأخذوا الذي لله وأنفقوه على الأصنام، وإذا هلك الذي لله وكثر الذي للأصنام قالوا: لو شاء الله لأزكى ماله فلا يزيدون عليه شيئاً، فذلك قوله تعالى: { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ } يعني مما خلق من الحرث والأنعام { نَصِيباً } يعني جعلوا لله نصيباً ولشركائهم نصيباً فاقتصر على المذكور لأن في الكلام دليلاً على المسكوت عنه { فَقَالُواْ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ } يقول: بقولهم ولم يأمرهم الله بذلك { وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا } يعني للأصنام { فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ } يعني لأصنامهم { فَلاَ يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ } يقول: فلا يضعون شيئاً في نصيب الله { وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ } يقول: يوضع في نصيبهم { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } يعني لو كان معه شريك كما يقولون ما عدلوا في القسمة، ويقال ساء ما يحكمون حيث وصفوا لله شريكاً. قرأ الكسائي: (بزُعمهم) بضم الزاي وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان ومعناهما واحد. ثم قال تعالى: { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَـٰدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } يعني زين لهم شركاؤهم وهم الشياطين قتل أولادهم لأنهم يقتلون أولادهم مخافة الفقر والحمية، ويدفنون بناتهم أحياء فزين لهم الشيطان ذلك، كما زين لهم تحريم الحرث والأنعام. ويقال: كان واحد منهم ينذر: أنه إذا ولد كذا وكذا ولد يذبح واحداً منهم كما فعل عبد المطلب، فزين لهم الشيطان قتل أولادهم فذلك قوله: { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَـٰدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ }. قرأ ابن عامر ومن تابعه من أهل الشام: (وكذلك زُين) بضم الزاي (قتلُ) بضم اللام (أولادَهم) بفتح الدال (شركائهم) بالخفض وإنما قرىء (زُيِّنَ) بالضم على فعل ما لم يسم فاعله، ومعناه قتل شركائهم على معنى التقديم، وهم أولادهم لأن أولادهم شركاؤهم في أموالهم فصار شركاؤهم نعتاً للأولاد، وصار الأولاد نصباً على وجه التفسير. وقرأ الباقون (زَيَّن) بالنصب لأنه فعل ماض (شركاؤهم) بالضم لأنه جعل الشركاء على وجه الفاعل. ثم قال: { لِيُرْدُوهُمْ } يعني ليهلكوهم بذلك { وَلِيَلْبِسُواْ } يعني ليخلطوا وليشبهوا { عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } يعني دين إبراهيم وإسماعيل. ثم قال: { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ } يعني لو شاء الله لمنعهم من ذلك منع اضطرار وقهر وأهلكهم { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } يعني دعهم وما يكذبون بأن الله أمرهم بذلك، ومعناه أن الله مع قدرته عليهم قد تركهم إلى وقت قدرهم فاتركهم أنت أيضاً إلى الوقت الذي تؤمر بقتالهم.

السابقالتالي
2 3