الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } * { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } * { قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

ثم قال: { وَلِكُلٍّ دَرَجَـٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } يعني ولكل واحد من المؤمنين فضائل في الجنة بعضهم أرفع درجة من بعض، وللكافرين درجات بعضهم أشد عذاباً من بعض { وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } يعني لمن ينسى الطاعة من المطيعين ولا المعصية من العاصين ويجازي كل نفس بما عملت. قرأ ابن عامر: (عما تعملون) على معنى المخاطبة وقرأ الباقون: (يعملون) بالياء على معنى المغايبة. قوله تعالى: { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } يعني غني عن عبادة خلقه ذو الرحمة بتأخير العذاب عنهم. ويقال: { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } يعني ذو التجاوز عمن تاب ورجع إليه بالتوبة { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } يعني يهلككم { وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ } خلقاً بعدكم من بعد إهلاككم (ما يشاء): إن يشأ مثلكم وإن يشأ أطوع منكم { كَمَا أَنشَأَكُمْ } يقول: كما خلقكم { مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } قرناً من بعد قرن ولكنه لم يهلككم رحمة منه لترجعوا وتتوبوا ثم قال: { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لأَتٍ } يعني الوعيد الذي أوعد في الآخرة من العذاب لآت، يقول: لكائن لا خلف فيه { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } يعني بسابقين الله بأعمالكم الخبيثة [التي] يجازيكم بها، هذا قول مقاتل: وقال الكلبي: بمعجزين أي، بفائتين أن يدرككم، ويقال في اللغة: أعجزني الشيء أي فاتني وسبقني. ثم قال: { قُلْ يٰ قَوْمٌٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } أي على موضعكم، يقال: مكان، ومكانة، مثل منزل ومنزلة، ومعناه اعملوا على ما أنتم عليه. ويقال: معناه: اجتهدوا في إهلاكي ما استطعتم ويقال: اعملوا في منازلكم من الخير والشر فإنكم تجزون بهما لا محالة. { إِنِّي عَـٰمِلٌ } بما أوحى الله إلي. ويقال: اعملوا بمكاني، وأنا عامل بمكانكم { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَـٰقِبَةُ ٱلدَّارِ } فهذا وعيد من الله تعالى يقول: نبين لكم من تكون له عاقبة الأمر في الدنيا ومن تكون له الجنة في الآخرة. ثم قال: { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } مخاطباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي: في الآخرة، ولا يأمن المشركون قرأ عاصم في رواية أبي بكر: { ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } في جميع القرآن بلفظ الجماعة وقرأ الباقون: مكانتكم. وقرأ حمزة والكسائي: (من يكون) بالياء لأنه انصرف إلى المعنى وهو الثواب. والباقون: قرأوا بالتاء لأن لفظ العاقبة لفظ مؤنث.