الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ }

{ وَلَهُ مَا سَكَنَ } يعني ما استقر { فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } من الدواب والطير في البر والبحر فمنها ما يستقر في الليل وينتشر بالنهار ومنها ما يستقر بالنهار وينتشر الليل. ثم قال: { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } يعني السميع لمقالتهم، العليم بعقوبتهم. ثم قال: { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } وذلك أن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن آباءك كانوا على مذهبنا وإنما تركت مذهبهم للحاجة فارجع إلى مذهب آبائك حتى نغنيك بالمال فنزلت { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } يعني أعبد رباً. { فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني خالق السموات والأرض ويقال: مبتدئهما. ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كل مولود يولد على الفطرة " أي على ابتداء الخلقة وهو الإقرار بالله حين أخذ عليهم العهد في أصلاب آباءهم، وإنما صار (فاطر) كسراً لأنه من صفة الله تعالى يعني أغير اللهِ فاطِر السماوات والأرض. وقال الزجاج: يجوز الضم على معنى هو فاطر السماوات والأرض، ويجوز النصب على معنى: اذكروا فاطر السماوات، إلا أن الاختيار الكسر. ثم قال: { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } يعني يرزق ويقال: وهو يرزق ولا يعان على رزق الخلق. وقرأ بعضهم: (وهو يُطْعِمُ ولا يَطْعَم) بنصب الياء يعني يرزق ولا يأكل. ثم قال: { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } من أهل مكة يعني أول من أسلم من أهل مكة واستقام على التوحيد { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } يعني وقال لي ربي: لا تكونن من المشركين بقولهم: ارجع إلى دين آبائك. وقوله تعالى: { قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي } يعني إني أعلم إن عصيت ربي فرجعت إلى آبائي وعبدت غيره { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني عذاباً شديداً في يوم القيامة. { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ } سوء العذاب { يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ } يعني غفر له وعصمه. [قرأ ابن كثير ونافع وأبو عامر وعاصم في رواية حفص (من يصرف عنه)] بضم الياء ونصب الراء على معنى فعل ما لم يسم فاعله وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: (من يصرف) بنصب الياء ومعناه، من يصرف الله عنه ولأنه سبق ذكر قوله: (ربي) فانصرف إليه. ثم قال: { وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } يعني صرف العذاب: هو النجاة الوافرة. وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " سدِّدوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أنه لا ينجو أحد بعمله قالوا: يا رسول الله ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بِرحمته " يعني أن الخلق كلهم ينجون برحمة الله تعالى. ثم خوّفه ليتمسك بدينه.