الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } * { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا جَاءتْهُمْ ءَايَةٌ } يعني الأكابر الذين سبق ذكرهم. ويقال: كفار مكة إذا جاءتهم علامة مثل انشقاق القمر وغيره { قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ } يعني لن نصدقك ولن نؤمن بالآية { حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ } أي مثل ما أعطى { رُسُلُ ٱللَّهِ } يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - من الآيات والعلامات. ويقال: لم نصدقك حتى يوحى إلينا كما أُوحي إلى الرسل وذلك أن الوليد بن المغيرة وأبا مسعود الثقفي قالا: لو أراد الله تعالى أن ينزل الوحي لأنزل علينا قال بعضهم: أرادوا به محمداً - صلى الله عليه وسلم -. وقال بعضهم: أرادوا به جميع الرسل. فقال الله تعالى: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } ومن يصلح للنبوة ومن لا يصلح فخص بها محمداً - صلى الله عليه وسلم - { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } يعني أشركوا { صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ } يعني مَذَلَّة وهوان عند الله أي من عند الله العذاب بالمستهزئين { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } يعني يكذبون بالرسل. قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص: " حيث يجعل رسالته) بلفظ الوحدان، وقرأ الباقون: (رسالاته) بلفظ الجماعة. قوله تعالى: { يَمْكُرُونَ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ } يعني من يرد الله أن يوفقه للإسلام ويهديه لدينه { يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } يقول: يوسع قلبه ويلينه لقبول الإسلام ويدخل فيه نور الإسلام وحلاوته. وقال القتبي: يشرح صدره يعني يفتحه. قال الفقيه قال: حدثنا الخليل بن أحمد، حدثنا الديبلي، قال: حدثنا أبو عبيد الله، عن سفيان، عن خالد بن أبي كريمة عن عبد الله بن المسور: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لما نزلت هذه الآية { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } قالوا: يا رسول الله فكيف ذلك؟ قال: إذا دخل النور في القلب انشرح وانفسح قالوا: وهل لذلك من علامة يعرف به؟ قال: " نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت " ثم قال تعالى: { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ } عن الإسلام فلا يقبله ويتركه بغير نور { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً } عن الإسلام يعني غير موسع { حَرَجاً } يعني شاكاً. وقال ابن عباس: كالشجرة الملتفة بعضها في بعض لا يجد النور منفذاً ومجازاً، قرأ ابن كثير (ضيقاً) بتخفيف الياء وجزمها وقرأ الباقون بالتشديد. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: (حَرِجاً) بكسر الراء، وقرأ الباقون: بالنصب. فمن قرأ بالنصب فهو المصدر، ومن قرأ بالكسر فهو النعت. ثم قال: { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَاءِ } يعني مثله كمثل الذي يتكلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيع فكذلك قلب الكافر لا يستطيع قبول الإسلام. قرأ ابن كثير (يَصْعَد) بجزم الصاد ونصب العين بغير تشديد، من صَعَد يَصْعَد، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (يَصَّاعد) بالألف مع تشديد الصاد وتخفيف العين لأن أصله يتصاعد فأدغم التاء في الصاد. وقرأ الباقون: (يَصَّعَّد) بتشديد الصاد والعين بغير ألف لأن أصله يتصعد فأدغم التاء في الصاد. ثم قال: { كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ } يعني العذاب { عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } بترك حلاوة الإيمان على الذين لا يرغبون في الإيمان. ويقال: الرجس في اللغة: هو اللعنة والعذاب.